مدينة وادان التي تعاني في الوقت الراهن من عزلة خانقة ، رغم ما يوفره لها سنويا مهرجان المدن القديمة من انتعاش نسبي و عابر ،هي مدينة تاريخية موريتانية عريقة قد أسسها اربعة رجال من تلامذة القاضي عياض السبتي نزحوا إلى الشمال الموريتاني من مدينة غمات المتاخمة لمدينة مراكش ، في أعقاب سقوط الدولة المرابطية و في غمرة ما تلا ذلك من القمع و المضايقات التي مارسها الموحدون على الساسة و الفقهاء و العلماء و قادة الرأي المرابطين.
وقد قام المؤسسون ببناء المدينة سنة 1142 م بجوار مجموعة من القرى المسوفية و البافورية التي كانت قد أقيمت على مقربة من بعض الآبار التي حفرها بالمنطقة عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة في أواسط القرن الثامن الميلادي. وقد أ قيمت المدينة على مرتفع من مرتفعات هضبة آدرار يعلو ب 400 م عن سطح البحر ، و يوجد في أقصى نقطة من الشمال الغربي الموريتاني . و موقع المدينة الفلكي يتمثل في قاطع خط خمسة و ثلا ثين درجة فاصل أحدى عشر ، خط غرينيتش ودائرة العرض ثلاثون فاصل ستة و خمسون شمالي خط الاستواء.
و الموقع الجغرافي الذي يحتضن مدينة وادان هو موقع استراتيجي بامتياز لوجوده ضمن منطقة تماس بين الشمال الإفريقي المصاقب لأوروبا ، و الساحل الصحراوي المتاخم لإفريقيا السوداء. وقد شكل هذأ الحيزالجغرافي منذ القدم مجال تنافس و تدافع و اصطراع بين مختلف المجموعات القبلية و الممالك و الانبراطوريات التي كانت تعمر هذا الفضاء و تسعى إلى الهيمنة على ما يتوفر عليه من موارد طبيعية و زراعية و معدنية و حيوانية و بشرية .
وقد أججت وفرة و أهمية هذه الثروات أطماع دول المنطقة و أسالت لعاب دول الشمال الافريقي و أثارت شهية الدول الأوروبية . إذ أن هذه الأمم أدركت الأهمية القصوى للدور التجاري و الإسهام الاقتصادي الذي يمكن أن تضطلع به مدينة وادان بحكم موقعها الجيو استراتيجي المميز. كما تفطنت المدينة نفسها الى محورية الدور الذي يمكنها إن تلعبه في النهوض بتنمية مختلف أوجه التبادل التجاري و الاجتماعي و الثقافي و السياسي في المنطقة بكاملها.
و هكذا تحولت وادان تدريجيا الى عاصمة للقوافل التي تجوب المنظقة ذهابا و ايابا.فلعبت تبعا لذلك دور الوسيط التجاري بين شمال افريقيا و بلاد السودان الغربي.
و نتيجة لزخم و كثافة المبادلات التجارية في شبه المنطقة، تحولت وادان الى ميناء صحراوي يعج بالحركة و يضج بالنشاط ، تتم فيه مقايضة السلع القادمة من البلدان الساحلية الصحراوية كالذهب و الحبوب و العسل و الرقيق مقابل السلع الواردة من الشمال الافريقي و المشرق العربي و أوروبا ، كالملح و التمور و الأواني المنزلية و الأقمشة و النسيج و المعدات المصنعة و الورق و الكتب ... و نتيجة لكثافة التبادل التجاري الذي كان يجري بوادان و نتيجة كذلك للتمازج الاجتماعي و التواصل الثقافي المصاحبين له ، فقد ذاع صيت المدينة في بلدان الساحل و الصحراء و في الشمال الافريقي و في أوروبا حيث تم إدراج اسمها ضمن الأطلس الجغرافي الأوروبي . و ذكرها مؤرخون عرب مثل البلاذري ، الذي قال عنها في كتابه " فتوح البلدان " إنها قرية مسوفية كانت تدعى "أوجان" ما يعني باللهجة الصنهاجية : أرض الملح.
و تعرض لذكرها مستكشفون و مؤرخون أوروبيون خلال القرنين الخامس عشر و السادس عشر . من بينهم البرتغالي فالانتينو فرناندش الذي قال عنها سنة 1507 أنها مدينة يبلغ تعداد سكانها 400 نسمة ، و انها تكتسي أهمية كبيرة باعتبارها محطة مورودة للقوافل لتنقل منها ملح كدية الجل نحو مدينة تيشيت التي تبعد عنها بمسيرة سبعة أيام، و نحو ولاتة و تونبكتو و غيرهما من الحواضر الصحراوية.
و تعرض لذكر و ادان كذلك ، خلال القرن السادس عشر ، كل من المؤرخين الاسبانيين ليون لا فريكان ( ابو الحسن الوزان) و مارمول كاراباخ و غيرهما من المستكشفين و المدونين و المؤرخين الأوربيين . وذكر بعض هؤلاء المؤرخين على وجه الخصوص أن تجار وادان استطاعوا أن يوزعوا الذهب و العديد من المنتجات الصحراوية في مدينة لشبونة عبر متجر آركين الذي كان يبعد عن وادان بحوالي 500 كلم .
كما أنهم ارتبطوا بعلا قات تجارية وثيقة مع سكان الساقية الحمراء التي تبعد عن المدينة ب 600 كلم . ولعل ذلك كان من بين العوامل التي حدت بالبرتغاليين سنة 1487 الى بناء مركز تجاري عرف باسم "آكويدير " على بعد 22 كلم شرقي مدينة وادان ما تزال اطلاله قائمة الى اليوم.
و من الجدير بالذكر في هذا السياق أن مدينة وادان منذ تأسيسها الأول في أواسط القرن الثاني عشر، و لردح طويل من الزمن ، قد شكلت نقطة استقطاب و تلاق بشري و أرضية امتزاج عرقي و تداخل اجتماعي .
و كانت منذ إنشائها موضع تنافس عسكري و سياسي بين المجموعات القبلية و الدول المتواجدة في المجالين الشمال الإفريقي و الساحل الصحراوي .
و كانت بؤرة تفاعل ديني و تلاقح فكري و روحي في الحيز الجغرافي الذي يكتنفها ، كما مثلت منطلق هجرات و نزحات متلاحقة لمجموعات قبلية وازنة و رجالات علم فاعلين.
وكانت مركز إشعاع روحي و علمي قد عم تأثيره بلدان الساحل الصحراوي وشمال افريقيا و الشرق الأوسط و غير ذلك من الأصقاع الأخرى .
و نعرض في ما يلي بشيء من الإيجاز إلى أهم الخصائص التي اتصفت بها مدينة وادان.
. ودان كنقطة امتزاج عرقي و تداخل اجتماعي
أدى الازدهار الكبير لتجارة الذهب و الملح و الرقيق و الحبوب و الأقمشة و غيرها في مدينة وادان ابتداء من القرن الثالث عشر ، الى اهتمام كبير بالمدينة و إلى إقبال متزايد عليها من مختلف جهات المنطقة . فتوجهت إليها المحلات المسوفية المنضوية في جيوش يحيى ابن غانية النازحة من أحواز مراكش تحت ضغط الموحدين، و التي كانت تضم خليطا من الهكاريين و الأندلسيين المورسكيين و الأتراك و العرب الهلاليين و غير الهلاليين و مختلف قبائل صنهاجة ، و بوجه خاص قبيلتي انيرزك و ابدوكل . ونزل هؤلاء الوافدون على قبيلة ادولحاج بودان و امتزجوا بهم ، حسب ما ذكره ابن القوطية في كتابه " تاريخ الأندلس".
ومن الجدير بالذكر في هذا المضمار ، أن منطقة وادان قبل مقدم مسوفة عليها في القرن الخامس ، و قبل تأسيس المدينة بها في القرن الثاني عشر ، كانت مأهولة بخليط من قبائل ازوكاغن الوثنية القادمة أصلا من وادي درعة ، جنوبي المغرب ، وقبائل اغرمان المسيحية القادمة من غورما بليبيا ، خلال القرن الأول الميلادي ، و مجموعات من أصول صوننكية وقبائل البافور التي كانت تعتنق اليهودية و القادمة من منطقة الجريد الجزائرية في مطلع القرن الخامس الميلادي . وقد تمكنت مسوفة من بسط نفوذها على هذه المجموعات المتباينة ، كما استطاعت الهيمنة على تجارة الملح في المنطقة بفضل استعمالها للجمل.
. وادان كموضع تنافس اقتصادي و عسكري بين المجموعات القبلية و الكيانات السياسية التي تعمر مجال المدينة الجغرافي
لقد أدى الازدهار الكبير للتجارة و كثافة التبادلات بمدينة وادان و ما نجم عن ذلك من كثرة القوافل التي ترتاد المنطقة ، الى قيام تنافس شديد بين المجموعات الصنهاجية الهكارية و التندغية المتنفذة من جهة و القبائل العربية من هلالية و معقلية و غيرها من جهة أخرى، حول السيطرة على خفارة القوافل و الاستئثار بجمع المغارم و تحصيل الاتاوات و المكوس.
فأفضى هذا التنافس إلى نشوب حروب طاحنة بين القبائل المتصارعة على الهيمنة و التنفذ . و لعل أشد هذه الحروب شراسة و أطولها مدة ما عرف محليا ب "شر بب " الأولى سنة 1466م التي دامت 35 سنة ، و أفضت الى انتصار بني حسان على قبائل صنهاجة التي حاربتهم.
ولم تنحصر المكايدات و الصراعات قصد الهيمنة على المركز التجاري المزدهر الذي باتت تشكله مدينة وادان في التدافع و المناوشات بين القبائل المتنفذة التي تعمر محيط و أحواز المدينة ، بل تجاوزت ذلك لترقى الى مستوى الحملات العسكرية الرامية إلى بسط السيطرة الاقتصادية و فرض الهيمنة السياسية على المدينة كما ذكرنا.
فخلال القرنين الخامس عشر و السادس عشر حاول ملك مالي منسا موسي و ملك الصونغاي سوني عالي من بعده و ملك البرتغال خوان الثاني و السلطانان المغربيان الشريف محمد و أحمد المنصور الذهبي حاول كل منهم على حدة و بطرق مختلفة احتلال مدينة وادان و اخضاعها و استتباعها ، و ذلك من خلال ممارسة الضغوط السياسية و تسيير الحملات العسكرية ، لكنهم جميعا لم يفلحوا في نهاية المطاف في تحقيق أهدافهم.
. وادان كمركز اشعاع علمي في الفضائين الساحل الصحراوي و المغاربي
إن العمارة الكبيرة التي عرفتها منطقة وادان بفضل تزايد التجارة بين ضفتي الصحراء الشمالية و الجنوبية ، و ظهور اهتمام التجار بجلب و تسويق الورق و الكتب في أسواق المدينة من جهة و الخلفيىة العلمية لمؤسسي المدينة و أتباعهم و تثمينهم للكتب و توقهم إلى اقتنائها و قراءتها من جهة أخرى ، كل ذلك أفضى إلى ظهور مناخ موات لانتشار المعارف و العلوم. فكثرت الكتاتيب و المحاظر و تنامى عدد مرتاديها و تعدد الدارسون و العلماء ، فمثلت وادان تبعا لذلك أول حاضرة في البلاد يؤلف فيها شرح شنقيطي لمختصر الشيخ خليل ، انجزه العلامة الواداني محمد بن أبي بكر الحاجي و يدعى هذا المؤلف :
موهوب الجليل في شرح مختصر خليل و هو ثاني كتاب يؤلف في هذه البلاد بعد كتاب الاشارة في تدبير شؤرن الامارة لأبي بكر محمد بن الحسن الحضرمي المتوفى سنة 1096م بأزوكي . كما أن العلامة سيدي أحمد الفزازي الوداني كان أول من أدخل كتاب شرح الحطاب الى و دان .
و قد أخذه بالسند المسلسل الى الحطاب و أخذه عنه شيخ الشيوخ سيد أحمد أيد القاسم الحاجي الواداني الذي أخذه عنه القاضي عبد الله بن محمد العلوي الشنقيطي و الطالب محمد بن الحبيب العلوي الشنقيطي و الطالب محمد بن المختار بن العمش العلوي الشنقيطي و سيد أحمد بو لوتاد الحنشي التيشيتي على سبيل المثال لا الحصر.
و لقد كان هناك تثاقف و تبادل للمعارف و العلوم بين علماء وادان الذين ذكر العلامة الطالب أحمد ولد طوير الجنة أنه كان منهم أربعون نفرا يسكنون في دور متوالية بشارع من شوارع المدينة كان يعرف بشارع الأربعين عالما . هذا التواصل بين علما ء وادان و علماء الحواضر العلمية الأخرى بالبلاد كان وطيدا و مضطردا و مثمرا.
و لا ريب أن الاعتبارات التي أومأنا اليها في ما تقدم ، هي ما جعلت العديد من مشاهير علماء البلاد ينظرون الى وادان على أنها تمثل البوابة التي دخلت منها المتون الواردة من المغرب و مصر و المشرق و الأندلس ، و خرجت منها نحو سائر حواضر البلاد وما جاورها ، مثل تينيكي و شنقيطي وتيشيت وولا تة و تونبوكتو و أروان و غيرها.
و يذكر كتاب فتح الشكور ما لعلماء وادان من فضل على سائر علماء البلاد و على علماء بلاد السودان الغربي و المغرب الأقصى و مصر و بلدان المشرق العربي.
. وادان كمنطلق لهجرات و نزحات بشرية متتالية مؤثرة
عرف سكان مدينة وادان ابتداء من القرن الخامس عشر عدة هجرات ، توجهت أحداها شرقا صوب اركيبة و العصابة و تكانت و أفطوط و الأراضي المالية . و توجهت هجرات أخرى نحو منطقة اترارزة ، وقد اجتازت النهر باتجاه أراضي السنغال و غامبيا.
. النزحة الى أرض مالي
خلال القرن الرابع عشر ، غادرت مجموعة من قبيلة تفرلا المسوفية قراها المجاورة لمدينة وادان و اتجهت الى الأراضي المالية حيث حطت الرحال على هضبة ماسنا و منها انتقلت إلى مدينة تونبوكتو . وهناك استقرت حيث مارس أبناؤها التدريس و الإمامة و القضاء و الرياسة الاجتماعية ، فأصبح لها نفوذ ديني و اجتماعي و سياسي كبير في المدينة و في المنطقة بكاملها . فكان من هذه الأسرة العلماء و الأئمة و قادة الفكر و الرأي . و مؤسس هذه الأسرة العريقة هو العلامة عمر اقيت جد العالم و المؤرخ الشهير أحمد باباالتينبوكتي.
و قد أصيب أعضاء هذه الأسرة في القرنين الخامس عشر و السادس عشر بنكبتين قاسيتين تمثلت الأولى في تهجيرهم عنوة و بلا هوادة من مدينتهم تونبوكتو إلى ولاتة من طرف ملك الصونغاي المالي
سوني عالي المعروف بكرهه الشديد للاسلام و بغضه الأعمى للعلماء المسلمين ، و خاصة منهم ذوي البشرة الفاتحة.
أما النكبة الثانية فقد حلت بهم على يدي ملك المغرب السعدي يعقوب المنصور الذهبي اثر اجتياح جيوشه لمدينة تونبكتو في أواسط القرن السادس عشر، حيث أقدم جيشه على التنكيل بالعلماء الوقيتيين و بأسرهم و ذراريهم ، كما قام بنهب ممتلكاتهم و إحراق كتبهم ، قبل أن يقوم بنفيهم مكبلين بالأصفاد الى عاصمة الدولة السعدية ، مراكش.
وقد مات الكثير منهم جراء الإرهاق و المرض قبل وصولهم إلى المغرب.
وبعد سبع سنوات من الإقامة الجبرية في مراكش اكتشفت السلطات السعدية مدى غزارة معارف العلماء الوقيتيين و سعة مداركهم و تمكنهم من العلوم، فخففت معاناتهم ، ثم أحسنت معاملتهم و أكرمت مثواهم ، و أتاحت لهم ممارسة التعليم و الإرشاد و الإفتاء ، ووفرت لهم، لهذا الغرض ، زاوية رحبة بمسجد يدعى جامع الشرفاء بمراكش.
فالتفت حولهم أعداد غفيرة من الطلاب و المريدين، و ذاع صيتهم في المغرب و تونس و الجزائر و ليبيا ، و توارد على زاويتهم الطلاب و الدارسون من كل حدب و صوب . فما كان من السلطات السياسية المغربيىة إلا أن أكرمت مثواهم و أحاطتهم بالرعاية و التقدير و الإجلال. ثم أطلقت سراحهم و خلعت عليهم ، فعادوا مكرمين معززين إلى أو طانهم . فمنهم من استقر بوادان حيث يوجد بعض أحفادهم هناك الى اليوم . ومنهم من رجع الى تونبكتو و الى ولاتة.
. النزحات الى الجنوب
بدأت هجرات بعض مكونات سكان مدينة وادان و على وجه الخصوص بعض الحاجيين و مجموعتي تفرالا و تامكونة ، بين أواخر القرن الخامس عشر و أواسط القرن السابع عشر، نحو جنوب البلاد فانساحت هذه المجموعات باتجاه منطقة اترارزة مرورا بتيكماطين بارض كنار. وواصلت هذه المجموعات انتشارها بالترارزة ، ثم عبرت النهر و توغلت في أراضي السينغال ، و تمددت لتصل الى منطقتي الوالو و كايور. حيث كان لهم نفوذ اقتصادي و تاثير اجتماعي و ثقافي و روحي ، اذ أنهم نشروا تعاليم الدن الإسلامي و أشاعوا الثقافة العربيىة في المنطقة .
و كانت لهم محلاتهم الخاصة بهم . و قد أسهموا في تطوير العمران حيث أسسوا العديد من القرى اطلقو على بعضها اسم وادان تيمنا بمدينة أجدادهم.
وكان لهم دور كبير في تحفيظ القرآن ونشر العلوم الدينية و اللغوية . و ساهموا في الجهاد ضد الوثنية . وناهضوا الاسترقاق و العبودية. و أنفقوا أموالهم من أجل عتق المستعبدين من قبضة ملاك العبيد . كما أنهم قدموا الدعم و العون لبعض القبائل التي كنت ضحية للحرب التي عرفت بشر بب الثانية ، بعد أن وضعت هذه الحرب أوزارها.
و على الصعيد الاقتصادي كان للمهاجرين الوادانيين دور كبير و فعال في تنظيم و تطوير تجارة الصمغ و باقي المبادلات التجارية الأخرى مع الأوروبيين . وقد كان لهم ميناء خاص بهم للتبادل التجاري مع الدول الأوروبية مثل برطانيا و هلاندا و ألمانيا و فرنسا...و يعرف هذا الميناء بميناء تكشكنبا.
وكان المهاجرون الوادانيون يتعايشون في تفاهم و انسجام مع السكان المحليين . و قد أطلق السينغاليون على طائفة من الوافدين اسم سوغوفارا و اسم دارمانكور على طائفة أخرى ، و أطلقوا اسم كامبيولا على مجموعة تفرلا و اسم سادي على مجموعة تفتل ....
. النزحة الى مناطق البلاد الشرقية
في أواخر القرن الثامن عشر ، و على اثر خلاف حول من يتولى الإمامة بمسجد وادان ، هاجرت مجموعة من سكان المدينة رفقة الفقيه الصالح لمرابط سيدي محمود بن الطالب المختار و ابن عمه با احمد و لفيف من بني عمومتهما ، و توجهوا نحو مناطق البلاد الشرقية و تحديدا
نحو اركيبة و لعصابة و تكانت و آفطوط . وقد اشتهر المرابط سيدي محمود بالصلاح و الولاية ، ما جعل الناس يقبلون عليه و يلتفون حوله.
فأسس كونفدرالية قبلية وافرة تضاهي كبريات القبائل بالشرق الموريتاني ، وهي قبيلة أهل سيدي محمود ، التي يشكل مجالها الحيوي ، أساسا، مناطق اركيبة و لعصابة و تكانت و آفطوط كما ألمعنا.
ومع الزمن كونت هذه القبيلة كتلة بشرية وازنة تتمتع بنفوذ اجتماعي و سياسي و علمي واسع.
و هذه الهجرات المتلاحقة عبر القرون ، التي انطلقت من مدينة وادان صوب مختلف جهات البلاد ، و باتجاه بعض دول الجوار ، إن دلت على شيء فإنما تدل ، فيما نرى، على حيوية ساكنة المدينة و استعدادها المتأصل لأن تضرب في الأرض دون كلل قصد توسيع دائرة نفوذها و تقوية تأ ثيرها و تعزيز مكانتها محليا و إقليميا و دوليا.
ولعل ما يمكن استخلاصه من كل ما قد تقدم قوله ، هو أن مدينة وادان و أحوازها ، قد شكلت لعدة قرون ، بؤرة تلاق و تفاعل و تبادل بين الشعوب ذات الأصول العربية و الأمازيغية و الفلانية و السوننكية و البرتغالية و غيرها .
و مثلت المدينة كذلك منطلقا لنزحات بشرية متتالية ، كان لها تأثير كبير في الفضاءات الجغرافية التي استقبلت هذه النزحات. و لقد كانت بحق منارة إشعاع فكري و روحي وضاءة عمت أأنوارها أرجاء المنطقة برمتها.
و بذلك تكون وادان عبارة عن موروث مشترك بين موريتانيا و الجزائر و مالي و المغرب و إلى حد ما، السنغال بل و البرتغال و اسبانيا
ولا ريب أن مجهودا مشتركا من طرف هذه البلدان من أجل أعادة تأهيل و إحياء و ازدهار هذه المدينة التاريخية العريقة المصنفة اليوم من طرف اليونسكو تراثا بشريا ، سيمثل مجهودا محمودا و مطلوبا ، خليقا بانتشال جانبأ معتلرا من التراث المشترك لهذه البلدان من الضياع و الاندثار و النسيان.
وقد يكون أنجع سبيل لتحقيق ذلكـ في رأينا ـ هو تنظيم مهرجان ثقافي وتجاري سنوي بالمدينة ، تحت إشراف الدول المعنية ، و الجهات الدولية المهتمة بإعادة إحياء التراث ، و ترقيته و جعله وسيلة تقدم ونماء لشعوب المنطقة و عامل تعزيز و تو طيد للتعاون و التكامل في ما بينها على الصعد كافة.
نواكشوط 3 شوتنبر 2020
د.محمد الأمين ولد الكتاب
المراحع و المصادر
ـ حفريات جديدة في الحقب الغامضة من تاريخ وادان ـ أ. الحسين ولد محنض .
ـ تاريخ موريتانيا القديم و الوسيط ـ أ . الحسين ولد محنض
ـ تاريخ موريتانيا الحديث ـ أ . الحسين ولد محنض
ـ مساهمة في كتابة تاريخ وادان من تأسيسها 1141 حتى نهاية القرن الثامن عشر ـ نواكشوط 1985ـ بن احمدان المصطفى.
ـ تاريخ ابن طوير الجنة ـ الطالب أحمد الحاجي الواداني
ـ كتاب المنهاج ( مخطوط)ـ المصطفى ولد الكتاب
ـ موسوعة موريتانيا ـ الجزء السادس ـ العلامة المختار بن حامد ـ دار المعارف 2000
ـ تاريخ الفتاش في أخبار البلدان و الجيوش و أكابر الناس ـ محمود كعت ـ نشر هوداس ـ 1981
ـ افريقيا ـ مارمول كاراباخ ـ ترجمة محمد حجي و محمد الخضر و محمد زنيبر و أحمد التوفيقـ ـ مطابع المعارف الجديدة 1984
ـ تاريخ السودان ـ عبد الرحمن السعدي ـ نشر هوداس 1981ـ الرباط 2002
ـ التاريخ الاجتماعي لولاتة ـ رحال بوبريك ـ منشورات معهد الدراسات الافريقية
ـ موريتانيا عبر العصور ـ اسلمو ولد محمد هادي
ـ موريتانيا من الأصول الى بداية التاريخ ـ روبير فيرنيي
ـ الرحلات و الحملة المغربية عبر وادان ـ رايمون موني
ـ البيان المغرب في اخبار الأندلس و المغرب ـ ابن عذاري المراكشيي دار الثقافة بيروت1983.
ـ وصف إفريقيا ـ الحسن الوزان ، ترجمة محمد حجي و محمد الأخضر ، الرباط ـ بيروت 1983.
ـ صورة الأرض ـ أبن حوقل ـ دار كتاب الحياة ـ بيروت 1979
ـالمغرب في ذكر بلاد إفريقيا و المغرب ـ مكتبة المثنى ـ بغداد 1964
أبو عبيد البكري ابن عبد العزيز
ـ فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور ـ تحقيق إبراهيم الكتاني و محمد حجي ـ دار المغرب الإسلامي ـ بيروت
ـ جمان كتاب البادية للشيخ محمد المامي
ـL ‘islam Noir, Vincent Monteil, édition du Seuil l 971
ـ Histoire du Sénégal du 15 -ème siècle à 1970
ـ Description de la cote d’Afrique du centre au Sénégal , Valentino Fernandes 1506 ـ 1507
ـ Expédition Marocaine , Ouadane 1543ـ 1544.
ـ The Golden trade of the Moors , E. W Bovil, Oxford University Press.
ـThe Pilgrimage Of Ahmed son of Little Bird of Paradise
ـ Premier voyage du Sieur de la Courbe fait à la coste d’Afrique en 1685 , Cultru Prosper.
ـ The Djil salt industry , its role in the pré colonial Economy in western Sahara- Elisabeth Ann Mc Dogal 1980