اللغة العربية لغة علم وحياة، وهي وعاء الإسلام وحاملة ثقافة العرب والمسلمين على حد سواء.
أما الفرنسية فهي لغة استعمارية دخيلة على هذه الأرض بجميع مكوناتها ومنهم إخواننا "الأفارقة" الذين كانوا إلى عهد قريب يعتبرون العربية لغتهم "الرسمية" التي بها يحررون العقود والوثائق، بل ويكتبون بأحرفها - القابلة للتشكيل بما هو قيمة زائدة - لغاتهم المحلية.
ولأسباب سياسية واجتماعية يضيق المقام عنها، وجد إخواننا أنفسهم في الصفوف الأمامية للدفاع عن لغة المستعمر.
شأنهم في ذلك شأن "الفرانكفونيين" من كافة الفئات، الذين يسيطرون على الإدارة ومفاصل الدولة، ويتحامون تطبيق الدستور، الذي هو الأساس القانوني لترسيم اللغة العربية.
وهكذا تخندق كثير من أبناء النخبة الإفريقية -ولا أعمم- في وجه اللغة العربية، بعد أن عقها الناطقون بها، بل والمدافعون عنها الذين لم يحسنوا سفارتها للأسف، وأدخلوها في معارك كانت في غنى عنها.
وبعد الإساءات المتكررة من طرف فرنسا - الرسمية والشعبية - للإسلام ونبي الرحمة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهبة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها - ومنهم الأفارقة - للمقاطعة الاقتصادية والثقافية لفرنسا، انتصارا لدينهم وهويتهم، نجد أن سؤال اللغة بات أكثر إلحاحا بالنسبة لنا كموريتانيين عامة ولإخوتنا الأفارقة خاصة، حيث بات لزاما عليهم أكثر من غيرهم مراجعة موقفهم من اللغة العربية.
نعم لا ضير في أن تكون هذه فرصة لإخوتنا في الملة والمواطنة المحندرين من أصول إفريقية ليراجعوا ويتراجعوا، نصرة لدينهم ونبيهم، وإحياء لسنة آبائهم بتعلم اللغة العربية وإعلاء شأنها.
فهي لغة الإسلام قبل أن تكون لغة العرب، بها نزل القرآن الكريم الذي أنزل للناس كافة.
قد تصل هذه المراجعة حتى لكتابة اللغات الوطنية بالحرف العربي، الأقرب للثقافة والهوية الدينية لهؤلاء من الحرف الفرنسي اللاتيني.
هي مراجعة تستصحب المباديء ولا تنافي المصالح، فاللغة الفرنسية في إدبار لصالح الإنجلية ولغات عالمية أقوى علاقة بالعلم والحياة.
النهوض بالعربية يجب أن يكون أولوية باعتباره واجبا شرعيا وقانونيا وسياديا، وإن كان لا بد من لغة أخرى فلتكن لغة عالَمية، عالِمة، محايدة، كاللغة الانجليزية، ريثما يتحقق للعربية التمكين.
أدرك أن هذه المراجعة صعبة وتحقيق نتائجها الاستراتيجية يحتاج وقتا طويلا، بل وأنها ستوقف عجلة الزمن والتأثير بالنسبة لأجيال تم تكوينها باللغة الفرنسية، ولكنها بعد النجاح ستكون للأجيال القادمة أبقى وأرقى، وأعمق أثرا في تعزيز الوحدة والأخوة بين كافة فئات الشعب ومكوناته.
ثم إن أي توجه حكومي في هذا السياق سيكون أسرع وأرسخ، فالرعية على قلب الأمير، ومآل أي مذهب تسلكه الدولة عادة مسايرة الجميع له ولو بعد حين.
على أن هذا التوجه لا بد أن يكون بمسؤولية، وفي إطار حوار وطني يرمي لعقلنة التعريب، وتسويقه والإقناع به، وليس إلى فرضه على غير الناطقين بالعربية فرضا.
حتى إذا قبلوا واقتنعوا، كانت المهمة سهلة وثمارها عاجلة، وعند الصباح يحمد القوم السرى؛ فهل إلى مراجعة من سبيل؟!