ترددتُ كثيرا في الدعوة لإطلاق حملة شعبية جديدة، وذلك نظرا لبعض الانشغالات والالتزامات السابقة التي أجد صعوبة كبيرة في الوفاء بها. ولكن، وبعد طول تفكير وجدتُ بأنه من الخطأ الكبير أن نضيع الفرصة المتاحة حاليا. هناك فرصة حقيقية متاحة حاليا لتفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني، ولا يحتاج الأمر إلا أن نستغل بذكاء هذا الهبة الشعبية التي أعقبت تصريحات المسيء ماكرون، والتي جعلت أغلب الموريتانيين ـ حالهم في ذلك كحال كل المسلمين في العالم ـ على استعداد تام لمقاطعة المنتجات الفرنسية، وعلى رأسها المنتجات الثقافية.
فلماذا لا نستغل إيجابيا هذا المزاج الشعبي المتحمس لمقاطعة المنتجات الفرنسية؟
ولماذا لا نستغله من أجل الحد من نفوذ اللغة الفرنسية في بلادنا؟
ألم يحن الوقت للعمل من أجل تفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني، والتي ما تزال معطلة بعد ستة عقود من الاستقلال، وذلك بسبب قوة نفوذ اللغة الفرنسية في الإدارة وفي مجال التشغيل؟
ولماذا لا نرفع الصوت عاليا بالمطالبة بإبدال اللغة الفرنسية التي تحتضر على المستوى العالمي باللغة الانجليزية التي أصبحت هي اللغة الأقوى عالميا في هذه المرحلة من تاريخ البشرية، خاصة وأن مثل هذه الدعوات قد وصلت لأشقائنا في الجزائر وتونس والمغرب؟
نعم اللغة الانجليزية أصبحت هي لغة العلم والعالم في زمننا هذا، ولذا فعلينا أن نجعل منها لغة ثانية بعد لغتنا الرسمية (اللغة العربية)، وذلك أمرٌ ممكن. وتبقى ميزة الانجليزية أن الدول الناطقة بها لا تحاول فرضها على الآخرين، فهم يرون بأنها أصبحت لغة العالم، ولا يحتاجون للترويج لها ولا لفرضها على الآخرين، على العكس من اللغة الفرنسية التي تحاول فرنسا أن تفرضها كلغة أولى في بعض مستعمراتها القديمة، وذلك لقناعتها بأنها لغة تحتضر، وبأنه لا نجاة لها من الموت المحقق إلا إذا ظلت مستعملة بقوة في بعض البلدان الإفريقية.
لقد آن الأوان للتفكير الجاد في توديع اللغة الفرنسية، والعمل من أجل أن تكون اللغة الانجليزية هي اللغة الثانية في هذه البلاد، ودون أن تنافس اللغة العربية كلغة رسمية للبلاد، كما فعلت اللغة الفرنسية خلال الستين سنة الماضية.
علينا أن لا نضيع الفرصة المتاحة حاليا، وعلينا أن نستغل المزاج الشعبي من خلال إطلاق حملة شعبية قوية لتفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني.
علينا أن نبدأ من الآن مراسيم توديع وتشييع اللغة الفرنسية، على الأقل على المستوى الشعبي، ويمكن أن يتم ذلك من خلال الخطوات العملية التالية:
1 ـ الحد من ظهور اللغة الفرنسية في الشوارع والأمكنة العامة، ويمكن أن يتم ذلك من خلال النزول ميدانيا في حملة المقاطعة، ومطالبة أصحاب المؤسسات والشركات والمحال التجارية بمحو أو تظليل الكلمات الفرنسية الموجودة على واجهات محلاتهم.
2 ـ رصد أي مخالفة للمادة السادسة من الدستور الموريتاني داخل الإدارة، والاتصال الفوري بالجهة التي خالفت نص تلك المادة ومطالبتها بالاعتذار والتصحيح الفوري للخطأ الذي تم ارتكابه. ومن المخالفات الشائعة في هذا المجال إصدار وثائق رسمية باللغة الفرنسية، وحتى من دون ترجمة إلى اللغة الرسمية للبلاد.
3 ـ مطالبة كل السفارات والمنظمات والهيئات الدولية الممثلة في موريتانيا باحترام الدستور الموريتاني، ومخاطبة الحكومة والشعب الموريتانيين بلغته الرسمية. وتثمين كل خطوة في هذا الاتجاه. وفي هذا الإطار قد يكون من المهم تثمين الخطوة التي قامت بها السفارة الأمريكية في نواكشوط يوم الثلاثاء 3 نوفمبر، وذلك عندما خاطبت الموريتانيين بمناسبة الانتخابات الأمريكية بلسان عربي فصيح.
4 ـ الدعوة إلى مقاطعة الاحتفالات والتظاهرات المخلدة ليوم اللغة الفرنسية، أو على الأصح لأسبوعها الذي يُقام كل عام في موريتانيا. يجب العمل من الآن على مقاطعة النسخة القادمة من أسبوع اللغة الفرنسية في موريتانيا.
5 ـ العمل من أجل أن تكون الاحتفالات المخلدة ليوم اللغة العربية في هذا العام على المستوى اللائق بلغة تعتبر هي اللغة الرسمية لموريتانيا، مع العمل أيضا على أن تكون كل الاحتفالات ذات الصلة بلغاتنا الوطنية على المستوى، كتخليد اليوم الدولي للبقرة ( تظاهرة ثقافية للفلان)، والمهرجان السنونكي للمرأة الموريتانية..
هذه بعض المقترحات العملية أعرضها عليكم، وذلك في انتظار ورود مقترحات أخرى قد تكون مهمة لإنجاح أي حملة شعبية تهدف إلى تفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني.
حفظ الله موريتانيا..