أبدأ، والخطب جلل، والدمع قد ملأ المقل، بالتَّمثل بأبيات لأبي البقاء الرندي:
وللحوادث سلوان يهوّنهـــــــــا *** وما لما حل بالإسلام سلـــوان
دهــى الجزيـرة أمر لا عزاء له *** هــوى لـــــه أحد وانهدّ ذهلان
ألا نفوس أبيـــــات لهــــــا همم *** أما على الخير أنصـار وأعوان
يـــــــا من لذلة قوم بعد عزهم *** أحال حـــالهم كفر وطغيــــــان
بالأمس كانوا ملوكا في منازلهم *** واليوم هم في بلاد الكفر عبـدان
***
لمثل هذا يذوب القلب من كمد *** إن كان في القلب إسلام وإيمـان
وأقول:
بعد ما اتضح من استعداء من طرف دولة فرنسا للمسلمين، ممثلة في أعلى هرم للسلطة الفرنسية؛ وبعد تصريح أول مسؤول فرنسي، بتعمد الإساءة إلى المسلمين، وإصراره على إعادة تكرار نشر الرسوم المسيئة للجناب الأعظم؛ لم يعد من مبرر لبقاء الأمور على ما كانت عليه، بين بلادنا، وهذا المستعمر، المستبيح حمانا في الماضي القريب، المسيء اليوم لجناب الحبيب.
وفي خضم التهاب المشاعر، وحق لها أن تلتهب، يجدر بنا التنبه إلى ضرورة اتخاذ، لا أقول ردة فعل، بل مواقف ذكية؛ تكون عميقة، بحجم التحدي، واقعية وفعالة، هادفة ومؤثرة، باقية ومستديمة، ما دامت أسبابها قائمة. فلم يعد خافيا، مدى استهتار رأس الهرم في السلطة الفرنسية بمشاعر المسلمين، وعدم اكتراثه لردة فعل دول العالم الإسلامي وشعوبها؛ التي لم يعد يحسب لها حسابا، منذ أمد بعيد. فهي في نظره إما عاجزة، وإما تابعة للغرب في كل صغيرة وكبيرة. فعلينا أن نريهم استثناء، في بلد المنارة والرباط، يشعرهم بالندم والإحباط.
وفي هذا الصدد، أقترح، في معالجة مقتضبة، ما يلي:
1. رسميا، فك الارتباط نهائيا بفرنسا والفرانكفونية، عبر استبدال اللغة الفرنسية باللغة الإنجليزية، كلغة انفتاح أولى على العالم. ولا يخفى ما سيكون لهذا الخيار من تأثير عميق على فرنسا. وهو خيار استراتيجي بالنسبة لبلادنا، بعيد المدى، وعميق الأثر. وهو كذلك سلاح فعال، جربه الرئيس الروندي بول كاجامي، حين استبدل اللغة الفرنسية كلغة عمل وانفتاح لبلده، باللغة الإنجليزية، فكانت النتيجة تقدما مبهرا، ونُمُواً سريعا، جعل من روندا مثلا يحتذى على مستوى القارة الأفريقية، بعد أن عانت من فرنسا ومن الفرنسية، ومن مخلفات حرب أهلية مدمرة، دارت رحاها بين قبائل "الهوتو" و "التوتسي"، كما هو معلوم؛ وقد أصبحت روندا اليوم، كما قلنا، بفضل استبدال اللغة الفرنسية بالإنجليزية، دولة من أفضل الدول الأفريقية تقدما وازدهارا.
ويكون ذلك من جانب السلطات الرسمية، بــ:
أ/ الإسراع بإدراج تدريس اللغة الإنجليزية، لتحل محلّ اللغة الفرنسية، اعتبارا من السنة الثانية ابتدائية، وذلك ابتداء من السنة الدراسية 2022 – 2023 م.
ب/ الإسراع بتقديم نشرة إخبارية يومية رئيسة، مسائية، بالإنجليزية، عبر قناة الموريتانية، ابتداء من الأسبوع المقبل. والعمل تدريجيا على إنشاء قسم كامل، ومتكامل للغة الإنجليزية في قناة الموريتانية، فالكفاءات الوطنية في هذه اللغة أصبحت متوفرة ولله الحمد. لا ينقصها إلا التكوين، والتأطير، وتحسين الخبرة المستمر.
ج/ الإسراع بتقديم نشرة إخبارية يومية، رئيسة بالإنجليزية، عبر الإذاعة الوطنية، ابتداء من الأسبوع المقبل؛ مع العمل كذلك، وبشكل تدريجي، على إنشاء قسم كامل، ومتكامل للغة الإنجليزية في الإذاعة الموريتانية، يحل محل القسم الفرنسي ويغني عنه.
د/ الدعم الفوري لقسم اللغة الإنجليزية بالوكالة الموريتانية للأنباء، والذي بدأ بشكل محتشم لا مبرر له، مع وجود الكفاءات الوطنية المؤهلة، ومع أهمية الوكالة الموريتانية للأنباء، كواجهة إعلامية رسمية للبلد، موجهة للعالم أجمع. ولغة العالم اليوم، كما هو معلوم، هي الإنجليزية.
د/ الحظر التام للعمل، والتراسل، والتصريح، والإعلان، في جميع الدوائر الحكومية باللغة الفرنسية. ويكون ذلك أول ما يكون بتحريم التصريح رسميا من طرف الوزراء وأعضاء حكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية، باللغة الفرنسية.
ر/ الحظر التام للعمل، والتراسل، والتصريح، والإعلان، في جميع دوائر منظومة الأمم المتحدة العاملة في بلادنا بغير اللغة العربية، إذ هي لغة عمل معتمدة في هذه المنظمة. لذلك لا معنى للعمل بغيرها في الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
س/ إخطار جميع البعثات الدبلوماسية، غير الناطقة بالفرنسية، المعتمدة في بلادنا بحظر التواصل مع الدولة الموريتانية، وجميع دوائرها الحكومية باللغة الفرنسية. وإنما يكون ذلك باللغة العربية أولا، أو باللغة الرسمية للبلد الذي تمثله كل بعثة، أو قنصلية، أو تمثيلية، أو سفارة.
ص/ اتخاذ قرارات صارمة على مستوى الجهات، والبلديات، من أجل تعريب الشوارع والأماكن العمومية، عبر إلزامية انفراد اللغة العربية باللافتات على واجهات المحلات، والمؤسسات، والمتاجر، والأسواق؛ حتى تكون بخط عربي جميل صحيح، سالم من الأخطاء الإملائية والتركيبية. وأن لا يسمح باستخدام لغة أجنبية إلا بإذن من الجهة أو البلدية، على أن يكون ذلك بالإنجليزية، وليس بالفرنسية.
ط/ تعريب ترقيم السيارات، وذلك بإحلال الحرف العربي الجميل مكان الأحرف اللاتينية، على غرار دول عربية قريبة منا، كالمغرب مثلا؛ مما يشعرك وأنت ترى لوحة سيارة، أن لها انتماء ووطنا، هو الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
ع/ تعريب المدرسة الوطنية للممرضين والقابلات تعريبا كاملا، مع إدخال اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية أولى داخل هذه المؤسسة، بدل تكوينهم باللغة الفرنسية. فهذه مؤسسة تكوينية يراد من طلابها بعد تخرجهم، الاحتكاك اليومي بالمرضى، والتوجيه والإرشاد للمواطنين؛ وهو ما يفسر ضرورة الإسراع بتعريبها، حتى يكون بمقدور خِرِّجيها، من ممرضين وقابلات، أن يشرحوا للمواطنين بالعربية، ما عليهم القيام به، أثناء رحلتهم الاستشفائية، وخلال ترددهم على المستوصفات والمستشفيات.
ف/ تعريب المحاضر الخاصة بالمعاينات التي يقوم بها الدرك والشرطة لحوادث السير. والحظر المطلق لطباعتها بالفرنسية، حتى نتمكن من توحيد سجل حوادث المرور في بلادنا، وحتى يكون سجلا في متناول المواطن، في أدق تفاصيله. وهو ما ظلت تمنعه طباعة تلك المحاضر بالفرنسية، بمصطلحات وعبارات، وصياغة تغيِّب عن المواطن حتى فحوى تصريحه، فيوقع على محضر بالفرنسية، لا يفهم منه شيئا.
ك/ الإسراع بتعريب التأمين، خصوصا في شقه الإجباري، أي التأمين على المسؤولية المدنية لملاك السيارات. فهذه عقود يحتاجها المواطن يوميا، ويتعامل بها مع جهات قضائية معربة في مرافعاتها وأحكامها. فهو يُوَقِّعُ أصلا على عقد مصاغٍ بلغة أجنبية لا يفهمها، دون معرفة دقيقة لما له وما عليه. وهي وضعية مأساوية، تؤدي يوميا إلى ضياع حقوق مواطنين أبرياء، تبيعهم مؤسسات تأمين عقودا لا يفهمون من بنودها، وشروطها، وتغطياتها، واستثناءاتها شيئا؛ حتى إذا وقع حادث واحتاجوا إلى تعويض، وقعوا في مطبات، ومتاهات لا نهاية لها. وكل ذلك عائد إلى صياغة العقود باللغة الفرنسية.
هذا أضعف الإيمان من قبل الجهات الرسمية.
2. أما من قبل القطاع الخاص، فيجب أن تكون المواقف أكثر وقعا، وفعالية، وسرعة، ووضوحا. إذ القطاع الخاص عبارة عن مؤسسات، وشركات، ومقاولات، ومحلات، ومصانع ملك لخواص موريتانيين. يدينون لله بدين الحق الذي هو الإسلام، ولا ريب في نصرتهم جميعا، بدون استثناء، لإمام المرسلين، وخاتم النبيين، والرحمة المهداة للعالمين،. عليه وعلى آله، الطيبين الطاهرين، صلوات وسلام رب العالمين. وخسئ أعداؤه، والمستهزئون.
فماذا يضر كل تاجر، ورجل أعمال، أن يقرر تحريم لغة المسيئين، المتطاولين على جناب أشرف المرسلين، اللغة الفرنسية، لغة المستعمر ؛ في محله، أو متجره، أو مصنعه، أو مؤسسته. ما دام المال ماله، والأرض أرضه، والرازق ربه... ماذا يمنعه، ليت شعري ماذا يمنعه، من حظر استخدام لغة هؤلاء الأعداء في كافة شؤونه الخاصة به. فهو صاحب القرار، ولا أحد يتحكم في أموره الشخصية سواه.
وإن كانت طبيعة العمل، أو النشاط الذي يزاول، تتطلب لا محالة استخدام لغة أجنبية، فلتكن لغة أخرى غير اللغة الفرنسية. ولعمري إن في الإنجليزية لغنىً عن الفرنسية.
3. وأما على مستوى الأفراد، من غير التجار ورجال الأعمال، وإن كان الأمر يشمل حتى هؤلاء؛ فأمضى سلاح للجميع، هو الدعاء الصادق، بإخلاص نية وخشوع، وحضور قلب، وتضرع وتبتل، بالابتهال إلى الله سبحانه وتعالى، دبر كل صلاة؛ آناء الليل وأطراف النهار، خصوصا بالأسحار؛ أن ينتقم انتقاما عاجلا من هؤلاء الظلمة، الطاغين الباغين، المسيئين لجناب المصطفى الأمين.
ثم إن على الجميع، أي على كل واحد منا، أن يتأكد من مصدر أي مادة أو منتوج، أو سلعة، أو بضاعة يريد شراءها أو استهلاكها، أو استخدامها؛ حتى تتم المقاطعة التامة الدائمة لجميع المنتوجات الفرنسية. وليكن ذلك سلوكا دائما من طرف جميع الموريتانيين. فهو سلاح فعال، وفي مقدور كل فرد، ولنقم بذلك، ليس استجابة لنداء سياسي، وُجِّهَ من طرف فلان أو علان، وإنما نصرة لسيد ولد عدنان.
هذا وأختم بأطيب، وأزكى الصلاة والتسليم، على من أمرنا الله بالصلاة عليه، بعد أن بدأ بنفسه، وثنى بملائكة قدسه. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه؛ وبنُتَفٍ من توقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم، كما في كتاب "الشفا في مناقب المصطفى" ، للقاضي عياض : (...)
- كان مالك إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، يتغير لونه وينحني، حتى يصعب ذلك على جلسائه... ؛
وقد قال مالك:
- ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم يَذْكُرُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فيُنْظَرُ إلى لونه كأنه نزف منه الدم، وقد جف لسانه في فمه، هيبة منه لرسول الله صلى الله عليه وسلم...
- ولقد كنتُ آتي عامر بن عبد الله بن الزبير، فإذا ذُكِرَ عنده النبي صلى الله عليه وسلم، بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع...
- ولقد رأيت الزهري، وكان من أهنأ الناس وأقربهم، فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنه ما عرفك ولا عرفته...
- ولقد كنت آتي صفوان بن سليم، وكان من المتعبدين المجتهدين، فإذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، بكى فلا يزال يبكي، حتى يقوم الناس عنه ويتركوه...
وقال مالك: (وحرمته - صلى الله عليه وسلم - حيا وميتا سواء).
فلْنُحوِّلْ نصرتنا للمصطفى صلى الله عليه وسلم إلى واقع ملموس وأفعال مؤثِّرةً، وذلك بالطرد النهائي للغة الفرنسية من بلادنا، فذلك هو الضمان الأوحد لاستعادة سيادتنا، وهويتنا، ولغة ديننا، وكتابنا، ونبينا. وحنى لا تبقى نصرتنا له صلى الله عليه وسلم، مشاعرا وأقوالا، لا وزن لها ولا تأثير.