في أول خطاب له بُعيد انتخابه تحدث الرئيس السابق للفقراء بحرقة وألم، وتقمص دور المخلص، كانت عباراته التي كتبت له أو وجه إليها رنانة مؤثرة، وجدت صداها في نفوس الضعفاء، وقلوب المساكين، انشرح صدر الجميع لكلام الرجل وتلاقت العواطف على الإعجاب به، والتعلق بمشروعه المعلن، وفعلا قام الرجل بفعل شيء لكن كان وراء كل تصرف قصد معاكس، وكان لكل خطوة تجاه خدمة المواطن عشر خطوات مخفية لمصلحته هو ولمحيطه الضيق. كان تقسيم الحي الساكن على قاطني تلك الكزرة الكبيرة القديمة خطوة جيدة وفي محلها لكن مع الأيام كانت مقدمة وتبريرا للاستيلاء على أراضي الدولة والمواطن بأساليب ممنهجة غايتها الأولى والأخيرة تمليك الرئيس خاصة أملاك الدولة العامة، وانتزاع مأوى الضعفاء وستر الأرامل واليتامى، وجعله بيد الرئيس وأسرته والمقربين منه عن طريق معاملات الشيخ الرضا ومكتبه وسماسرته وملحقاته، ومن خلال المزادات العلنية المسرحية، التي لا تقدم فيها أموال وتُباع فيها إعلانا أراض عامة ذات قيمة عالية، وبعد أيام قليلة يتنازل عنها الملاك المجازيين لمالكها الحقيقي أو بالأحرى مغتصبها المتحايل على القانون، الخادع للشعب بإعلانات تعكس اتجاهها استيلاءاته الخفية، وطبعا بعمولات تكشف الحقيقة جلية، فكيف لأراض وعقارات قيمتها بالمليارات أن يُتنازل عنها بملايين قليلة لا تصل عُشرَ عشرِ قيمتها؟ وكيف للمتنازِل الذي تولى عملية الشراء بعد فوزه بالمزاد المفتعل أن تكون بحوزته القيمة المعلن عنها في فوزه بالمزاد، خاصة إذا كان حدث السن، ولا سجلا أو تاريخا تجاريا يجعل المتلقي يستسيغ الإعلان والفوز؟. كان الرئيس السابق كثير الوعود قليل الإنجازات مقابل ذلك، ولن نقول عديمها كما يحلو لكل متحامل أن يصور طرفا ما في منتهى السلبية، حدثت بعض المنجزات كما أسلفنا لكن كان وراء كل منها نهب ممنهج وانتزاع للقمة من الفقير والمحتاج، وفي ذات الوقت تم توظيف مشاريع كبرى ذكرا وإشادة في الإعلام لكنها على أرض الواقع ظلت حبيسة الحبر إنجازا والورق احتضانا ومنها للمثال والاستئناس: 1- مشروع للسكر بتكلفة 400 مليون لتشغيل 12 ألف عامل 2- أكبر مسجد بموريتانيا بطاقة 15ألف مصل 3- مدينة صناعية في كيهيدي أعلن عنها 2011 4- الضمان الصحي لكل مواطن بلغ 70 سنة 5- مشروع رباط البحر بتكلفة تلات مليارات دولار كما أعلن 6- أطول برج بموريتانيا ب18 طابق 7- ملعب يتسع لأكثر من 30 ألف متفرج بنواكشوط 8- معهد التكوين المهني في تيرس زمور 9- جسر كرفور مدريد 10- مصنع لصناعة الطائرات هذه أمثلة فقط وليست حصرية؛ أعلن عنها مرارا وتكرارا كسبا للوقت واستجاشة لعاطفة المواطن الضعيف في هذا المجتمع الغني بثروات بلاده، الفقير بتبديد خيراتها وسوء تسيير مدبري الشأن العام، خاصة تحت لواء رئيس الفقراء الذي تنامى الفقر في عهده وازداد السلب والنهب لثرواته، رغم ما يذاع من محاربة هي في حقيقتها سياسة بني إسرائيل تطال الضعيف ولا تصل لغيره. كان المشهد اليومي الذي نشاهده بخصوص إقامة العدل؛ سجن سارق الحي الذي لا يتجاوز طموحه وبطشه سرقة قنينة غاز أو معزاة أو هاتف نوكيا قديم؛ والحكم عليه أحيانا بسنوات في الوقت الذي يتمسح فيه الرجال والنساء، الشيوخ والشباب على أحذية سارق الدولة بأكملها، لقد تم الزج بمحصلي الأموال في المقاطعات والولايات في مشهد يثير الريبة؛ إذ كيف بموظفين يحملون نفس الصفة والتخصص ويتفرقون في المقاطعات والولايات ثم يقعون في نفس الخطأ والجرم؛ اللهم إذا كانوا حلقة أضعف في عملية نهب كبرى؛ أختير للمشهد أن يأخذ ذلك الطابع صرفا للنظر عما هو آت؛ يكون أكبر ومن شخصيات أرفع كما حدث بالفعل، ويؤكد هذا أنه لم يسجن أو يتهم الوزير المسير للقطاع ولا الأمين العام ولا أحد المديرين المركزيين!!. إن هذا الوطن الذي تعرض لنهب عصابة حاكمة مستحكمة هو الذي كان جل أفراد مجتمعه يعتمدون في قوتهم اليومي على ما تجنيه بائعة السمك التي تسابق طلوع الفجر غدوة وغروب الشمس روحة لتطعم صغارا أضناهم الجوع وأعيتهم الفاقة، وهو المجتمع نفسه الذي تعبر أرزاقه على كتف حمَّال لا يتقاضى ما يُشبع بطون أولاده، وعلى طريق هذه الأرزاق المحمولة على كتف هذا الحمَّال والمشحونة في متهالك الشاحنات تترصد معيلات الأسر لالتقاط وتصفية حبيبات القمح المتطايرة على جنبات الطريق؛ والتي تعد مصدر إطعام صغارهن الذين لا يمكنهم الاستغناء عنها!، أي تناقض؟، وأي شعب هذا؟. نُعول كثيرا على هدوء الرئيس الحالي واحترامه للقانون أن يكون القاطرة الحقيقية لتفعيل المؤسسات ولعبها لدورها كاملا وبالتالي إحقاق الحق وإبطال الباطل، وهو ما سيترتب عنه –دون أدنى شك- إرجاع ثروة كبيرة منهوبة من وطن مستباح إلى مواطن ضعيف مغلوب على أمره، مُنتزع منه كل ما يملك –فيما مضى- بجبروت السلطة وجشع الحاكم النهم المتسلط. كثيرون يقولون أن مصلحة الرئيس السابق وأمانه؛ أمور كانت متوقفة على تقوية العلاقة بينه وبين الرئيس الحالي، وزيادة على ذلك الاختفاء وعدم الظهور لاستفزاز المواطن المسلوب حقه، والمحروم من خيرات بلده، قبل استفزاز الرئيس الحالي بجعله تبعا ولو في مخيال بعض المعارضين الذين ظنوا ذلك إبان الحملة الرئاسية وصرَّحوا به في بعض خطاباتهم التي رددنا عليها ذلك الحين بمقالات عدة نؤكد فيها أن السلطان لا يؤمر والسلطة لا تُنازع، وأن الأيام كفيلة بكشف ذلك. كل ما حدث كان لمصلحتنا نحن المواطنين البسطاء فغايتنا أن نجد الدفء في وطننا، وأن نحظى بخدمات عامة جيدة في بلادنا، ولن يتحقق ذلك مادام النهب والاستيلاء على الأموال العمومية هو حلبة السباق بين الوزراء ورؤسائهم، وكبار معاونيهم من مديرين وآمرين بالصرف .. نعيش الآن أملا كبيرا في ميلاد عهد جديد تكون حقيقته احترام المال العام، وقيام الدولة على رجليها، واحتضانها لضعيف أبنائها قبل قويهم، وتوفيرها الخدمات الأساسية من صحة منتعشة، وتعليم نوعي، وأمن يحصل معه النوم الهادئ، وينعم بعد ذلك المواطن بعدالة صافية خالية من الرشوة التي تعد شرطا للحصول على أبسط الوثائق (طلاق، زواج) وتكون فيها الأسعار تتجه إلى الأسفل ولو لمرة واحدة، ثم نترقب بعد ذلك مقالا في مقام الهناء والرخاء والرفاهية.