مايزال مفهوم الحكامة في موريتانيا يضع العديد من الإشكاليات في وقتنا الحاضر رغم مضي ما يزيد علي نصف قرن ونيف علي استقلال البلاد عن الاستعمار الفرنسي وتعاقب حكومات عديدة علي إدارة الشأن العام فيها. فبالرغم من التجارب والمحاولات الكثيرة التي بذلتها تلك الحكومات للوصول إلي حكامة جيدة تمكن من ولوج المواطنين إلي الخدمات العمومية الأساسية والتحسين من ظروفهم المعيشية بصفة عامة ، فان هناك العديد من التحديات لا تزال قائمة وتشكل عائقا حقيقيا أمام الوصول إلي الحكامة المطلوبة. فإذا ما انطلقنا من تعريفنا للحكامة بأنها أسلوب ممارسة السلطة في حسن تدبير الموارد الاقتصادية والاجتماعية لبلد ما من اجل التنمية، فإنه يصبح لزاما علينا الارتكاز على مجموعة من المبادئ العامة الضرورية لهذه الممارسة أهمها: تبني سياسات رشيدة اقتصاديا واجتماعيا شفافية حكومية قابلة للمحاسبة المالية إنشاء محيط ملائم لتنمية السوق فبالإضافة إلي ماسبق يجب اتخاذ تدابير فعالة لمحاربة الرشوة واحترام القانون وحقوق الإنسان وإقرار حرية الصحافة والتعبير وتوسيع المشاركة الشعبية وفصل السلطات والتوازن بينها مع تدعيم القضاء واستقلاليته. ومن هذا المنطلق تصبح الحكامة رؤية فلسفية جديدة للتغيير لها مضمون اقتصادي ومالي واجتماعي وسياسي باعتبارها النهج الأكثر نجاعة لتدبير الشأن العام والمجتمعي. وبما أن مفهوم الحكامة اليوم أصبح يركز على هدف رئسي هو تحسين نوعية حياة المواطنين وتحقيق رفاهيتهم، فان ذلك لا يمكن أن يتم إلا من خلال تكامل عمل الدولة ومؤسساتها مع القطاع الخاص وهيئات المجتمع المدني، وهو ما يتطلب الأخذ بعين الاعتبار لجملة من التدابير والإجراءات ذات الأولوية نجملها فيما يلي: حسن تسيير الموارد البشرية والمالية واعتماد الآليات الكفيلة بتحقيق الشفافية في تدبير الشأن العام. تقديم الخدمات ذات الجودة للمواطنين والتواصل معهم والاستماع إلي مشاكلهم. تبني مقاربة تشاركية بين القطاعات الحكومية والفاعلين علي المستوي المحلي و الجهوي والوطني. إعادة الثقة بين المواطن والدولة والعمل باستمرار علي تدعيمها. انخراط الهيئات التشريعية والسياسية والنقابية ومؤسسات المجتمع المدني بصفة فعالة في برنامج الإصلاح الشامل والعمل علي إيجاد التوافق المطلوب لتحقيقه. القيام بكل الإجراءات الضرورية من الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين و الفاعلين في المجتمع المدني بغية تأهيل النسيج الاجتماعي والاقتصادي وإعادة الاعتبار للمنظومة القيمية والحضارية للبلاد. ترسيخ التقاليد الديمقراطية والعمل علي ترقية المرأة. تفعيل الآليات القانونية للوقاية من الفساد ومكافحته وتعزيز نزاهة واستقلالية وفعالية الجهاز القضائي. الرقي بالمنظومة التربوية والتكوين والبحث العلمي بهدف تحسين المردودية والرفع من الجودة في مجال الخدمة العمومية وترسيخ مفهوم إدارة المواطنة. إشاعة ثقافة التقييم والمحاسبة والعمل بمبدأ العقوبة والمكافئة. حل إشكاليات التشغيل والرفع من مستوي أجور الموظفين ودعم القدرات المؤسسية في القطاعين العام والخاص. خلق الثروة وتحريك دواليب الاقتصاد والإسهام في إنعاش الاستثمار. تحقيق الشفافية في المجال الضريبي والمالي وفي منح الصفقات العمومية وفي تسيير المال العام. التركيز علي المشاريع المرتبطة بحياة الناس وإعطاء الأولوية للفئات ذات الهشاشة. الرفع من الإنتاجية في قطاعي الزراعة وتربية الماشية من أجل ضمان الأمن الغذائي. تشجيع اللامركزية وتطوير التنمية الجهوية مع المحافظة على البيئة والرفع من قدرات التنمية البشرية المستدامة. ولاشك أن تحقيق هذه الأهداف رغم تفاوتها في الأهمية يبقي شرطا لاغني عنه في الوصول إلي إقامة دولة العدل والقانون والإنصاف التي بشر بها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني من خلال مشروعه المجتمعي الذي تقدم به إلي الأمة ونال به الثقة بأغلبية مريحة في الاستحقاقات الرئاسية الأخيرة . ويبقي تنفيذ برنامجه الانتخابي “تعهداتي” المتضمن لكل هذه الأهداف وتجسيده علي ارض الواقع هدفا كبيرا للكثير من الموريتانيين الذين يعلقون عليه آمالا كبيرة في التحسين من أوضاعهم المعيشية وتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي الذي يتطلعون إليه جميعا. ويظل الوصول إلي تلك النتيجة مرهونا بمدا وعي الطبقة السياسية في هذا البلد ونخبه المثقفة وأصحاب الرأي فيه وقواه الحية بأهمية التغيير البناء واعتماد نهج الإصلاح فكرا وممارسة وإحداث قطيعة نهائية مع الماضي وتبعاته السلبية وهي أمور لا يمكن الاستغناء عنها لتحقيق الحكامة المنشودة بالرغم من ما يمتاز به الرئيس من أخلاق رفيعة وكفاءة عالية وحسن سيرة ‘ والتزامه بإحداث الإصلاح المطلوب وإصراره علي مواجهة التحديات مهما كلفه ذلك من ثمن. وقد أكد سيادته في مناسبات عديدة علي ضرورة التقيد بالشفافية وإرساء قواعد الحكم الرشيد وتقريب الخدمة العمومية من المواطنين خصوصا في هذا الظرف الصعب الذي تمر به البلاد نتيجة لتفشي وباء كورونا المستجد ، فهل من أذان صاغية؟ و إلى متى سنستجيب لمثل هذا النداء التاريخي الرائد؟