بعد أن مرت بلادنا بمرحلة الفيروس الأولى؛ تلك المرحلة التي بُذل فيها ما بُذل من توعية وتحسيس وتبرع وتجييش، لم يُواكب بما ينبغي من وعي بالخطورة من المواطنين ولا بالنضج التحضري الكافي في الممارسة الاحترازية تنظيفا وتعقيما، خاصة من الذين يكثرون الخروج من المنازل إلى العمل أو التسوق أو إلى أي جهة أخرى. لقد طبع هذه المرحلة كثير من ألطاف الله مع ذلك التقصير البادي من المواطنين وضعف المنظومة الصحية أصلا، فكان الحفظ من انتشار الفيروس هو حديث الجميع حتى ظن البعض أن لنا حصانة خاصة أو مناعة مميزة. أما وقد دخلنا اليوم مرحلة تفشي الفيروس؛ تلك المرحلة التي بدأت بتفاقم عدد الإصابات في غفلة وتساهل من الجميع؛ أصبح لزاما علينا؛ كل من موقعه؛ إعادة النظر في طريقة التعامل الذاتية مع هذا الوضع، فمن غير المعقول أن نظل كما كنا بالأمس؛ نخرج دون احتراز، نشكك في كل شيء، نتساهل في تطبيق الإجراءات المتخذة في الأماكن العامة وعند العودة إلى البيت... ولقد تابعت كغيري من أبناء هذا الوطن مقابلة وزير الصحة مع التلفزة الموريتانية؛ وكيف كانت مميزة ومثيرة في آن وسابقة في التعاطي الإعلامي الرسمي مع الجهاز الحكومي، فلقد أوصلت الصحفية المحاورة كل الأصوات الصارخة حول الوضع الصحي الراهن بقوة واقتدار وحدة يتطلبها الموقف وتستدعيها الحالة الراهنة، ولقد كان وزير الصحة في ذات الوقت صاحب الجواب الشافي المقنع؛ بعيدا عن التواء السياسيين ومراوغات المخزنيين، كان الرجل صريحا، متمكنا، عارفا بخفايا قطاعه وحال المواطنين، وأحسبه كما غيري كُثر يحسبونه حسنة من حسنات الحكومة الحالية، وهو بالمناسبة لا يعمل في قطاعه لوحده كما لا تواجه مصالح وزارته مخاطر هذا الوباء لوحدها، وخرجة الوزير هذه لا تقل عنها خرجات مدير الصحة العمومية اليومية أهمية، لما لها من فائدة في كشف البيانات التي حتما سيكون لصداها تأثير إيجابي في تغيير عقلية المواطن تجاه هذا الوباء وطريقة التعامل المستقبلي معه، لقد كان لعرض وزير الصحة التفصيلي لمراحل تطور الوباء وما واكب ذلك من مستجدات وما يقتضيه الوقوف على حال دول الجوار من استئناس ومقارنات صدى إيجابي كبير في الوقوف على الحقائق وحجم التحدي مع تقدير المقام به من جهود إيجابية أصبحت الآن تقتضي الزيادة وتكاتف الجهود وتعدد الشركاء والفاعلين الإيجابيين وهو المنطلق الذي يُلتمس منه دخول الجيش ميدانيا. لقد أصبح لزاما أكثر من أي وقت مضى نزول الجيش والقوات المسلحة بمختلف أطيافها إلى جانب طواقم الصحة في ميدان المعركة الصحية، ومعروف عن الجيش انضباطه التام والتزام أفراده بتطبيق التعليمات والأوامر حرفيا وهو الأمر الذي يجب أن يحاكيهم فيه المواطن العادي فيطبق التعليمات الصادرة عن وزارة الصحة كما هي دون لف أو دوران كما نشاهد وعليه أن لا ينشغل ويتعب نفسه وغيره في فلسفة التحليل والتبرير وأحيانا التشكيك وتوليد الأوهام حول دوافع غير مرَضية وربطها بالجهود الحكومية، وطبعا كذبت الأيام ذلك وأجاب واقعنا الصحي والحالات الفعلية المتزايدة بنقيض ذلك الطرح وفندته.. ثم إن الجيش يمتلك معدات صحية ميدانية تعنى بمواجهة هذا الفيروس وهو ما يجعله معني إلى جانب وزارة الصحة بالموضوع خاصة في ظل هذه الظرفية التي أصبح الجميع فيها مسؤول عن محاربة الوباء وتقديم العون الصحي للمجتمع كل من موقعه وحسب قدرته. لا يقل أهمية دور أئمة المساجد في هذا الظرف حيال الأزمة الصحية القائمة عن دور الطواقم الصحية وما يساندها من قوات عسكرية، صحيح أن الجمعة التي تشتمل على خطبة هامة معلقة لضرورة صحية وبسند فقهي؛ لكن على أئمة المساجد والوعاظ أن يخاطبوا جماعة المسجد على قلتها الحالية بعد كل صلاة –إن أمكن ذلك- حول ضرورة إسهام الجميع في التوعية والتحسيس؛ فمن المؤسف أن يكون كثير ممن يطلب منهم التعقيم وإحضار مستلزمات شخصية قبل دخول المساجد يعترضون على ذلك ويقابلونه بالرفض والتجاهل وهذا مشاهد لأن بعض المساجد طوت أفرشتها وطلبت من روادها التزام التباعد وإحضار السجادة الفردية والكمامة أو ما يقوم مقامها ومنهم من زاد فجعل عند كل بوابة مواد معقمة بإمكان الداخل بحركة بسيطة أن يعقم يديه وهو داخل إلى المسجد في ثواني قليلة ويكون قد ساهم في الحد من انتشار الفيروس بالاحتياط لنفسه وللآخرين. على الجهات المعنية واللجنة الوزارية المكلفة بمتابعة وإدارة الأزمة أن تزيد من رقابتها على الأسواق وأن تُدرج في ذلك المساجد والورشات وكل الأماكن العامة وعليها أن تنظم حملات توزيع للكمامات والمواد المعقمة فورية الاستعمال عند هذه النقاط والأماكن وتُتابع بدفة مستوى التجاوب وطبيعة التنفيذ.