أثار مشروع القانون المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء والفتيات، والذي صادق عليه مجلس الوزراء الأخير نقاشا واسعا، ويبدو أن هذا النقاش لن يتوقف قريبا.
ومثل هذا النقاش لم يكن مستغربا، فمشروع القانون هذا، قد أصبح مثار جدل منذ أن عُرِض على البرلمان ورفض لمرتين، وذلك بسبب ما تضمن من مواد لا تتطابق مع تعاليم ديننا الحنيف.
مشروع القانون في نسخته القديمة كان تعبيرا صارخا عما يحاول الغرب أن يفرضه على المجتمعات الأخرى، وإذا كان من المقبول تقليد الغرب في القضايا التي نجح فيها كالديمقراطية مثلا، فإنه ليس من المقبول تقليده في قضايا أخرى فشل فيها فشلا ذريعا، كما هو الحال بالنسبة للأسرة.
مشروع القانون في نسخته القديمة يأتي في إطار تنفيذ الوثائق والتوصيات التي تسعى الأمم المتحدة إلى فرضها على دول العالم، وعلى رأس تلك الاتفاقيات اتفاقية "سيادو" التي تطالب بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والتي من بينها: الولاية؛ القوامة؛ العدة؛ تعدد الزوجات؛ الزواج المبكر؛ إعطاء المرأة حق التصرف في جسدها؛ تقييد حق الزوج في معاشرة زوجته؛ تشريع الزنا، بل وتشريع العلاقات بين شريكين من جنس واحد.
كان النص القديم مجرد استنساخ سريع لما يُروج له في الغرب من قيم منافية لديننا، ولذا فقد تكررت في ذلك النص كلمات غريبة على المجتمع الموريتاني من قبيل: "النوع" ؛ "الشريك" ؛ "القرين" ...إلخ
أما النص الجديد لمشروع القانون فإنه يختلف شيئا ما عن النص القديم، والظاهر أنه كانت هناك محاولة لمرتنة وأسلمة هذا النص، ولكن، ورغم تلك المحاولة فإن النص الجديد لم يسلم من بعض الثغرات التي يجب سدها من قبل المصادقة عليه، وتلك مسؤولية النواب. أشير هنا بأن هناك عدة نسخ من مشروع القانون يتم تداولها حاليا، والنسخة التي اعتمدت عليها هي تلك النسخة المكونة من 55 مادة، وسبب اختيارها هو أنها تتطابق من حيث عدد المواد مع تصريح وزير العدل خلال المؤتمر الصحفي للحكومة، وهو التصريح الذي قال فيه بأن مشروع القانون الجديد يتضمن 55 مادة.
وفي اعتقادي الشخصي فإن الثغرة الأكثر خطورة في مشروع القانون هذا هو أنه يعطي سلطة لبعض المنظمات الحقوقية في رفع الدعاوى دون توكيل، وهو ما قد يؤدي في المحصلة إلى تفكيك بعض الأسر، وإلى تشريع تمرد الأبناء على آبائهم وعلى المجتمع وقيمه، وخاصة الفتيات اللاتي تكرر ذكرهن في هذا المشروع، بل إنه لم تذكر كلمة السيدات في مشروع القانون هذا ، إلا وجاء بعدها ذكر الفتيات!!!
لنقرب الصورة أكثر حتى نتعرف على اهتمامات بعض المنظمات الحقوقية التي سيحق لها بعد المصادقة على هذا القانون من دون تعديل رفع الدعاوى حتى من دون توكيل.
(1)
في يوم الأربعاء الموافق 22 يناير 2014، أصدرت المنظمات الحقوقية التالية : رابطة النساء المعيلات للأسرـ إيراـ الرابطة الموريتانية لحقوق الإنسان ـ نجدة العبيد ــ الهيئة الموريتانية لحقوق الإنسان ـ ضمير ومقاومة، أصدرت هذه المنظمات بيانا تحت عنوان "تحرير مالي حرب العادلين ضد الامبريالية السلفية الجديدة". هذا البيان كان بمناسبة التدخل الفرنسي في مالي، وقد طالبت هذه المنظمات من الحكومة الموريتانية أن تدعم تلك الحرب، وطالبت من الشعب الموريتاني أن يرقص على طبولها، وأن يغني لمواجهة "السلفية الجديدة"، وذلك من خلال "العودة إلى آليات الأصالة الثقافية (الشعر، الغناء، الرقص، الفلكلور، الأزياء التقليدية) كثقافة تحررية مضادة ردا على انتشار المقبرة السلفية على وجه الأرض"، حسب ما جاء في البيان. ولتتأملوا ـ رحمكم الله ـ في هذه الفقرة من البيان المذكور: "فحتى في داخل موريتانيا، فقد تسرب التشدد الديني في كل مستويات المجتمع؛ حيث نرى (بشكل متنام) الحجاب؛ وهو ثوب كان في ما مضى دخيلا غريبا. ونرى في الشارع النساء اللابسات السواد بتضافر مع نشاطهن التكفيري خلال الجمعيات المعزولة (عن الرجال) التي تقام في وضح النهار."
(2)
في يوم 24 يناير 2014، أصدرت ثلاث منظمات حقوقية وحركة (رابطة النساء المعيلات للأسرـ الرابطة الموريتانية لحقوق الإنسان ـ نجدة العبيد ــ ضمير ومقاومة) بيانا للمطالبة بإطلاق سراح كاتب المقال المسيء، وفي هذا البيان وُصفت الرسوم المسيئة التي أثارت غضب المسلمين في كل بقاع العالم ب" قضية الكاريكاتور الدانماركي"، أما المقال المسيء فوُصف في البيان ب : "خطاب ولد أمخيطير" ، والذي خلص صاحبه ـ حسب البيان ـ إلى أن : "المعاملة المزموع طائفيتها و قبليتها والتي واجه الرسول صلي الله عليه وسلم يهود الحجاز تماثل تعامل الزوايا مع فئة المعلمين في المجتمع البظاني", وقد خُتم البيان بالمطالبة بإطلاق سراح كاتب المقال المسيء دون متابعة، مع توفير الحماية والمؤازرة له.
(3)
في يوم 9 سبتمبر من العام 2012 ارتكبت فرقة من الجيش المالي مجزرة ضد جماعة من الدعاة الموريتانيين فقتلت تسعة منهم، وتمت إدانة هذه المجزرة بشكل واسع حتى من طرف منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية، والتي وصفت المجزرة بأنها "عمل فظيع"، وطالبت هذه المنظمة بوقف الجنود ورؤسائهم ومحاسبة الجميع، وبضرورة تطبيق العدالة على الجناة وبشكل سريع.
تجاهلت المنظمات الحقوقية في بلادنا ـ باستثناء حركة إيرا ـ تلك الجريمة البشعة، ولم تصدر أي واحدة منها بيانا ولو من سطر واحد أو سطرين للتنديد بتلك المجزرة البشعة.
(4)
في يوم 10 نوفمبر 2017 تعرض عدد من المشاركين في مسيرة لحراك النصرة لعمليات اعتداء غير مسبوقة، فتم تجريد ثلاثة مشاركين على الأقل من ثيابهم، وتركوا على الشوارع عرايا تماما وكما ولدتهم أمهاتهم. أحد هؤلاء الثلاثة وهو شاب صغير تم توثيق عملية نزع ثيابه من خلال فيديو أثار غضب الموريتانيين جميعا، وتم تداول ذلك الفيديو بشكل واسع.
كان الاستثناء الوحيد يتعلق بالمنظمات الحقوقية التي لم تدن أي واحدة منها هذا العمل المسيء والمهين للكرامة الآدمية، وذلك على الرغم من أن تلك المنظمات هي المعنية بالدرجة الأولى بالتنديد بمثل هذه الأعمال المشينة والمسيئة للكرامة الآدمية. طبعا سبب صمت تلك المنظمات معروف، فالضحية كان في مسيرة لنصرة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام. نفس السبب هو الذي جعل تلك المنظمات تلتزم بصمتها المريب عندما ارتكبت فرقة من الجيش المالي مجزرة بشعة ضد عدد من الدعاة الموريتانيين. هذه المنظمات الحقوقية التي صمتت أمام تلك الجرائم البشعة، هي نفسها المنظمات التي تضامنت ـ وبحماس شديد ـ مع كاتب المقال المسيء، ومع فرنسا في حربها في مالي.
المقلق في الأمر هو أن هذه المنظمات سيكون لها الحق إن تم التصديق على مشروع القانون دون أي تعديل أن تدخل بين الأب وابنته والزوج وزوجته وأن ترفع دعاوى ضد من تشاء. وهي إن فعلت ذلك فستجد الدعم من بعض مواد هذا القانون المبهمة والمائعة، وستجد دعما أكبر من منظمات غربية تمتلك وسائل ضغط قوية على بلادنا.
تقول الفقرة الأخيرة من المادة 40 من مشروع القانون : " يتصرف ضابط الشرطة القضائية الذي يتم إبلاغه بارتكاب عنف ضد امرأة أو فتاة، وفقا لأحكام قانون الإجراءات الجنائية المطبقة في حالات التلبس."
تعني هذه الفقرة ـ حسب القانونيين ـ بأنه بعد الإبلاغ يصبح من الممكن تفتيش المنازل، والحجز، ومنع أي شخص من المغادرة، والإيداع في السجن، حتى ولو كان البلاغ كيديا.
خلاصة القول هي أنه إذا تمت المصادقة على مشروع القانون هذا و دون أي تعديل فقولوا على الأسرة الموريتانية السلام.
حفظ الله موريتانيا...