كلما تأمل الإنسان في خلق الله ازداد إيمانا به وتبصرا فيما حوله وتولد لديه شغف إيقاظ النفس وتزكيتها سبيلا إلى الظفر بمناط التكليف الذي هو مدار حياتها وله خلقت ولأجله وجدت؛ يعيش العالم اليوم أزمة كبرى أظهرت ضعف عظمائه وعظم فشلهم وضلال معتقدهم المؤسس على التعلق بقوة وتأثير المادة، ذلك التعلق الذي وجد صداه في كل المجتمعات، نَمت عليه أجيال المجتمعات الغربية وتماهت معها أجيال المجتمعات العربية فأبدلت مدارج السالكين الموفقين الفاتحين بدرب الهالكين الخائبين الخاسرين، حتى ظهر في المجتمعات العربية المسلمة المحافظة من يتحدثون بألسنتنا وينتسبون لخيار الأسر في مجتمعنا ثم يسلبهم بريق الحضارة الزائف ويقينهم بالمادة المتحولة الزائلة نور الحق ويقين الإيمان.. إنه الخسران وأي خسران!! . لقد أصبحت دول العالم؛ قويها وضعيفها في موقع المحتاج، تتقبل المساعدات دون استثناء تنتظر الفرج، تشخص بالأبصار إلى السماء يقينا بأن أهل الأرض عاجزون، وللفرج المنزل من رب السماء منتظرون. إن هذا الوضع القائم؛ قدّم درسا للبشرية لا ينبغي أن يفوت على لبيب دون استخلاص العبر منه والتزين بالتمثل بوارده من كامن الدرر، ولا أقل في ذلك من استيعاب رسالتين إحداهما إيمانية ذات متجهين والأخرى تنموية لا بد لها من فاعل ومفعولين؛ الرسالة الإيمانية: متجهها الأول يضرب في قلب أولئك الشباب الذين خرجوا من رحم مجتمعنا وألحدوا حبا في ديار الكفر -عياذا بالله- وهم الذين يلتحف أكثرهم بأسئلة طائشة يهونها بعض المتعاطفين معهم بقوله إنها حائرة!، وهي في حقيقتها ضالة فقط وحسب، فهم الذين لا يؤمنون إلا بما يشاهدون فهل شاهدوا الفيروس الفتاك مثلا؟. الجندي الصغير أحد أكثر جنود الله ضعفا وخفاء!, المتجه الثاني يسلط الضوء على جهود الحكومة في المستقبل كي تزيد من تحمل الأمانة تجاه كل فرد من هذا المجتمع تهذيبا وتربية وتفقيها وتثقيفا. الرسالة التنموية: لا بد لها من فاعل أساسي هو جهاز الدولة الحكومي الذي ينبغي أن يعيد ترتيب أولوياته في هذا المجال فيحدد أهدافا أكبر ويتخذ طرقا أحدث ويتبع سبلا أهدى، فمن غير المعقول ولا هو من المقبول أن يظل رجال أعمالنا غائبين عن مجال الزراعة، وبالرغم من نشاطهم الحيوي في ميادين أخرى؛ فإنه بعد هذه الجائحة لا ينبغي أن يستمر ابتعادهم عن هذا المجال الضروري والمربح في آن، بل يجب على الحكومة أن تفرض عليهم الاستثمار في الزراعة بـأرقام مالية معلومة وفي أراضٍ تحددها لصلاحيتها هي وصلاح الأرض للمقصود، وعليها في سبيل ذلك وتشجيعا عليه أن ترفع الحقوق الجمركية عن كل الوسائل والأدوات الزراعية وتتعهد بمنح أرضي يستمر مع الاستغلال كتشجيع وعامل استقطاب. أما أول المفاعيل المتحدث عنه بالإشارة سلفا فهو: هذه الأرض التي تلعننا بتقصيرنا في حقها وهي المعطاء التي نقابل خصوبتها وجودها بكسلنا وعزوفنا عن زراعتها فنعطل بذلك فضائلها ونمنع أنفسنا خيراتها، ثم نجلس القرفصاء نرنو بعين اليتيم ونمد يد المسكين ننتظر حصاد زراعة وافد من الشمال غالبا، فنبتلعه بشراهة المحتاج وهو المحصول الذي ينزل دون منتوج أرضنا جودة وابتعادا عن مواد المعالجة والحفظ وكل ما تفرضه عمليات الشحن وبعيد التنقل. المفعول الثاني: هو المواطن المسكين الذي تحاصره أوجاعه التي تتصدرها حاجته لهذه المواد الزراعية في أقواته يومية كانت أو شهرية، وفي عدم توظيفه لجهده الذي تنعدم فوائده في غياب الدعم والتوجيه الذي لا يؤثر دون سند قوي ومباشر من الدولة. ومما هو معروف أن كنوز الطبيعة تستدعي الاكتشاف دوما، أي منا لا يعرف نبتة البوط (التيفا) التي استفحل وجودها في بعض المنازل في قلب العاصمة بفعل ارتفاع منسوب المياه المالحة الصاعدة في بعض المناطق والتي كانت سبب هجران البعض لمساكنهم، وهي ذاتها التي تسيطر على مساحات كبيرة على ضفاف النهر ومناطق زراعة الأرز؛ ضرورة التخلص من هذه النبتة التي تشكل عائقا زراعيا أوصل إلى اكتشاف أهميتها في صناعة الفحم كوقود هام وبالتالي ترك الأشجار الأخرى التي كانت ضحية استهداف ممتهني تحصيل مادة الفحم، وهي كذلك تدخل في عناصر تدعيم لبن البناء .. ملاحظة تفرض نفسها: ( بالمناسبة الأرز الموريتاني أصبح سيد السوق بفعل جودته وخلوه من المواد الحافظة؛ وهي الميزة التي ستتاح لأصناف الزراعة الأخرى عندما تدعم وتوجه إليها بوصلة التنمية). بقي أن نشير إلى أن بلادنا واكبت هذه الأزمة العالمية القاهرة بقدر كبير من الحكمة والتبصر والاحتراز طوق الله به هذا البلاء وقلل أضراره علينا والحمد لله، ثم أتبعت ذلك بدعم للأسر المحتاجة التي فرضت عليها ظروف الأزمة البقاء في البيوت والحد من النشاط الذي كان رغم بساطة أغلبه قناة إطعام الصبية ورافد سقايتهم. كل ما تقدم مع أهميته لا ينبغي أن يلهينا عن إعادة النظر كما أسلفنا في تحديد أولوياتنا الزراعية خاصة وفرض قوة الدولة وشراكتها على أصحاب الحظوة المالية كي يوجهوا جزءا منها لما هو أهم من اقتناء الشقق الموصدة في العواصم الأوربية أو الأسواق المهجورة في أطراف العاصمة والسيارات الفارهة المركونة تزينا وتنويما لمبالغ يخرجها ذلك عن دائرة حركة الاقتصاد الوطني فتحجب فوائدها الجمعية وتبقى في حسابات استئناسية أهلية وفردية.