تحت عنوان "7.6 مليار أوقية قيمة 21 صفقة تراض خلال شهر" نشرت وكالة الأخبار المستقلة موضوعاً مطولاً – بسبب اللف والنشر - "رأتْ" فيه أن الشهر المنصرم شهد عودة قوية لصفقات التراضي في عدة قطاعات حكومية، تجاوزت قيمتها الإجمالية 7.6 مليار أوقية..
ليكن الموضوع تحيقاً أو سبقاً صحفياً، مع أن الكثير من نتائج هذا التحقيق متاحة، ومصادرها معروفة، لكن أن يُعنوَنَ الموضوع ب"صفقات التراضي" فذلك بالتأكيد حكمٌ مُجافٍ للحقيقة، وعن وعيٍ، للأسف، بكون هذه الصفقات قانونية صرفة، بدليل كون محرر الموضوع وقفَ على القانون رقم: 044 الصادر 2010 المتضمن مدونة الصفقات العمومية.
أيُ معنى للحديث عن "صفقات التراضي" مادام المحرر قد قرأ وضمن المادة 32 من القانون المذكور في هذا "التحقيق" والتي تنص على أن صفقات حالة الظروف الاستثنائية التي فرضتها كوارث طبيعية، هي صفقاتٌ استثنائية؟ أيُ عدالةٍ هذه التي يُجرِّمُ فيها "القاضي الصحفي" فعلاً بمثل هذا التناقض؟ كيف لها أن تكون صفقات تراضٍ، والنص يقول إنها صفقاتُ ظروفٍ استثنائية؟ هل يوجد لبسٌ في النص، أو تَركَ المُشرع سلطة تقديرية لـ"لقاضي الصحفي"؟
ليس انحيازاً للحقيقة قطعاً أن يأتي أهلُ الأخبار بعنوان "التحقيق" أو لنقل الحكم القضائي، بأسلوب خبريٍ جازم، ثم إن القارئ العادي قد يعتقد إن هذه المليارات اختفتْ أو نُهبتْ من الميزانية، بينما الواقعُ أنها رُصدت لسد الاختلالات الكبيرة التي كشف عنها كورونا في بلادنا، مثل كل بلدان العالم، ثم في جهود حماية المواطنين من تفشي جائحة كورونا من جهة، ومن تَغول تداعياتها على الطبقات المغبونة والهشة من جهة أخرى..
ليس مهماً أن أقول إن كل الصفقات اليوم استثنائية في العالم كله، لسبب واحد وهو أن المعركة معركة إنقاذ أرواح بشرية..
زملائي في "الأخبار إينفو" بَشروا ولا تُنفروا.. بينوا لنا أن الوزيرَ فلاناً أفسدَ.. بدّد ممتلكات الدولة .. لن نغفر لأحد فعلها في هذا الوقت العصيب، ولن نغفر للرئيس ولد الغزواني نفسه إن سَكتَ عن شيء من ذلك، ولا أخاله يسكتُ عنه..
لستُ أنا من يُعلمكم مهنة الصحافة، فأنا في النهاية "بَشْمَرْكي مع وقف التنفيذ" لكن أحكامكم القضائية يجب أن تكون مع وقف التنفيذ هيّ الأخرى، كي لا تُربكَ الجهود، وكي لا تخلطوا جيدا برديء.. وجهوا أقلامكم وتحقيقاتكم إلى مواطن الخلل، سددوا وقاربوا.