لم يعد ساكنة مناطق الساحل منذ فترة يعلقون الآمال على مجموعة الدول الخمس بالساحل(موريتانيا، مالي، النيجر، بركينا فاسو، و تشاد)، نظرا لعجز منظومتها العسكرية و الأمنية عن تحقيق الأمن و السلم في المنطقة من جهة، و ضعف تدخل مشاريعها التنموية و الاجتماعية في حل الإشكالات التنموية المعقدة التي يعاني منها ساكنة الساحل بشكل عام و ساكنة مناطق الصراع بشكل أخص من جهة أخري. لذا فإن قمة نواكشوط التي تلتئم اليوم الثلاثاء لن تكون محط أنظار و اهتمام سكان المناطق المتضررة من العنف بالساحل كما أن نتائجها لن تأتي بجديد ينعش أمل هؤلاء في مستقبل خال من العنف، و يطمئن فيه مواطني بؤر العنف على أرواحهم و ممتلكاتهم. صحيح أنه إن كان ثمة من نجاح يمكن أن يسجل في رصيد هذه المجموعة هو قدرتها على الحفاظ على فاعلية أدائها المؤسسي كاحترام دورية قممها على مستوي مؤتمر الرؤساء و باقي الأطر التنظيمية الأخرى و احترام دورية التناوب على رئاسة المجموعة. لكن هذه الفاعلية المؤسسية يقابلها شلل و عجز على مستوي الأداء العسكري الميداني خاصة بعد الإعلان عن القوة العسكرية للمجموعة، التي توقع مراقبون أن يساهم نشرها في الحد من العنف و تحجيم رقعته و جماعاته. و لكي نفهم أكثر أسباب ضعف أداء مجموعة الدول الخمس بالساحل، فلا بأس من التوقف مع نقاط جوهرية، بعضها متصل بسياق النشأة و بعضها الآخر مرتبط باعتبارات يتداخل فيها الموقف الدولي و الإقليمي، تعتبر هي المعوقات الرئيسية أمام المجموعة و هي: -مقايضة المجموعة بأطماع البقاء في السلطة: إن تشكيل المجموعة في البداية لم يكن باعثه إرادة إقليمية يحفزها القلق من خطر تنامي العنف بالمنطقة و ضرورة تشكيل جبهة إقليمية للتصدي لهذا الخطر، و إنما كان بدافع البحث عن رضي فرنسا، مهندسة فكرة تأسيس المجموعة، مقابل تغاضي الحكومة الفرنسية مستقبلا عن أطماع كل من الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز و الرئيس البركينابي السابق بليز كومباوري للرئيس الحالي لتشاد إدريس دبي للبقاء في السلطة. -عقدة الوصاية الفرنسية: من العوامل التي أضعفت تسويق حملة تمويل القوة العسكرية لمجموعة الدول الخمس بالساحل لدي المانحين الدوليين تنبي فرنسا الواضح و الصريح لملف هذه المجموعة، مما جعل قوي دولية و أطراف إقليمية تتبني مواقف متحفظة من هذه المجموعة كالولايات المتحدة الأمريكية، التي انتقدت مندوبتها لدي الأمم المتحدة قبل فترة قليلة قادة القمة و وصفتهم بالفشل. و يدخل الموقف الجزائري من المجموعة في نفس الاتجاه. -هشاشة الإطار إقليمي: تعتبر مجموعة الدول الخمس للساحل أضعف تكتل إقليمي على وجه المعمورة، فدوله تتنافس على ذيل مؤشرات الفقر و البطالة الفساد و سوء التسيير في التقارير العالمية، و عليه فإن غياب دول إقليمية ذات اقتصاديات مؤثرة عن الإطار جعله يواجه أزمة الموارد الذاتية. -حساسية المنظمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "سيدياو" من الدور الموريتاني و التشادي في المجموعة: تنمي ثلاث من دول مجموعة الخمس (مالي، النيجر، و بركينا فاسو) للمنظمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "سيدايو". و لقادة بعض دول هذه المنظومة حساسية من موريتانيا و تشاد باعتبارهما تدخلتا في قضايا حيوية لدول أعضاء في "سيدياوو" دون تنسيق سابق و لا لاحق مع "سيدياوو"، التي باتت بضرورة أن تتخذ المنظمة خطوات في مجال التنسيق الأمني بعيدا عن إطار مجموعة الخمس. و بات بعض قادتها ينتقدون علنا أداء قوة مجموعة الخمس بالساحل كما فعل الرئيسان السنغالي ماكي صال و نظيره الإفواري الحسن واترا أثناء زيارة قام بها الأول للأخير في يونيو 2019. إن استفحال حجم العنف في المنطقة بات يطرح مسؤوليات كبيرة على هذه المجموعة في المستقبل ، كما أنه يطرح تساؤلات أكبر على قدرتها على الاستمرار و الخروج من حالة الشلل و الترددي في مرحلة تزداد فيها صعوبة الحصول على التمويلات التي تعلق عليها المجموعة شماعة فشلها العسكري.