في العام الماضي خاض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي حملات شرسة جدا ضد المبادرات الداعية لانتهاك الدستور من خلال المطالبة بالتمديد للرئيس السابق، وأذكر بأن تلك الحملات شهدت ظاهرة لافتة للانتباه تمثلت في إعداد تقارير نارية من طرف بعض أبناء الولايات ضد أطر ووجهاء ولاياتهم الذين شاركوا في تلك المبادرات.
لا خلاف على أهمية تلك الهبة التي قام بها رواد مواقع التواصل الاجتماعي للوقوف ضد مبادرات الأطر الداعية لانتهاك الدستور، ولا خلاف على أنها كانت هبة تستحق التقدير والتثمين، ولكن، ألا يحق لنا الآن وهناك إرهاصات لمبادرات من نوع آخر أن نطرح السؤالين التاليين: لماذا تقتصر ردات الفعل القوية على المبادرات السلبية؟ ولماذا لا تكون هناك ردات فعل قوية عندما تكون هناك مبادرات إيجابية!
صحيحٌ أن الإعلام بشقيه التقليدي والجديد لا يسلط الضوء في العادة إلا على الأمور السلبية كالحروب والأزمات والصراعات والخلافات، وصحيحٌ أنه يُغَيِّبُ دائما الأمور الإيجابية، ولكن الصحيح أيضا بأننا بحاجة ماسة في مثل هذا الوقت لكسر هذه القاعدة، وذلك من أجل تخصيص حيز حتى ولو كان ضيقا في كتاباتنا وفي نقاشاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي لمثل هذه المبادرات الإيجابية.
في الأشهر الماضية أطلق عمدة تجكجة مبادرة فريدة من نوعها لتنظيف المدينة، فتبرع الأطر ورجال الأعمال من أبناء المدينة بما يزيد على 32 مليون أوقية لتنظيف مدينتهم ( 22 مليون تبرع بها أبناء المدينة من داخل الوطن و7 مليون تبرع بها أبناء المدينة في الخارج). هذا المبلغ مكن من تنظيف مدينة تجكجة بشكل كامل، لتصبح هذه المدينة ـ وبفضل جهود أبنائها ـ مدينة نظيفة تماما، وتوجد بها اليوم خمس سيارات من ذوات العجلات الثلاث تجمع الأوساخ بشكل يومي من أمام المنازل، وذلك بعد أن يضعها الأهالي في خنشات ليتم نقلها بعيدا إلى المكبات التي توجد خارج المدينة وتبعد عنها عدة كيلومترات.
هذه المبادرة الإيجابية جدا لم تجد أي ذكر على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى من أبناء مدينة تجكجة الذين ينشطون في مواقع التواصل الاجتماعي. نفس الشيء يحدث الآن مع مبادرة أطر وأصدقاء الحوض الغربي والتي تعد أوسع من مبادرة تجكجة لأنها تشمل كل مقاطعات الولاية، حتى وإن كانت ستبدأ بتنظيف مدينة لعيون. هذه المبادرة التي ستنظم حفلا تلفزيونيا لجمع التبرعات يومي 02 و03 فبراير لم تجد بدورها أي ذكر لأنشطتها التحضيرية في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى من طرف نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي المنحدرين من هذه الولاية.
الشيء المبشر أنه رغم كل هذا التجاهل الإعلامي فقد بدأت مثل هذه المبادرات ذات النفع العام تصل إلى ولايات أخرى، وهناك دعوات من بعض أطر ولايات أخرى لإطلاق مثل هذه المبادرات في ولاياتهم، وهذا هو ما جعلني أنشر منذ يومين مقالا تحت عنوان : " هل نحن أمام صحوة للأطر؟"
أتمنى من كل قلبي أن نكون بالفعل أمام صحوة حقيقية لأطر موريتانيا، وهم الذي عودونا في الماضي على مبادرات "غثائية" كان ضررها أكثر من نفعها، وأتمنى أن تكون هذه المبادرات الإيجابية التي انطلقت من تكانت والحوض الغربي هي بداية فعلية لإعادة توجيه بوصلة مبادرات الأطر في اتجاه أنشطة مجتمعية ذات نفع عام، وفي مثل ذلك فليتنافس أطر الولايات.
حفظ الله موريتانيا..