لطالما أثارتْ اهتمامي قضية تخلّف فكر عددٍ من المُجتمعات العربية والمُسلمة، ووقوف أكثرها عند حدود تراثها القديم، دون الاستفادة منه في تحدّيات الحاضر واستشراف المُستقبل، فكان أن تمّ إهدار عقود من الزمن في مُحاولات اجترار الماضي التليد والبكاء على الأطلال، نتيجة شّللٍ فكري أصاب العقلية العربية الحديثة، والظنّ أن التجربةَ الإنسانية المعرِفية والحضارية الثقافية قد انتهت منذ أمد طويل، وليس في وسع المُسلم إلا التقليد الأعمى لأسلافه، بغض النظر عن مستجدّات الفكر الإنساني واختلافِ الظروف الاجتماعيةِ والعلمية والثقافية والسياسي" - أيمن بدر كريم -
عندما أشاهد طائرة تحلق أو تهبط، أو حينما أقف في المدرج أتأمل تصميمها وأفكر في المهندسين الذين قاموا ببنائها وأتصور مستوياتهم العلمية ومدى اجتهادهم وخبرتهم العالية التي أوصلتهم، تَسري في جسمي قشعريرة وتنقبض من الخجل عضلاتُ قلبي لهول "صدمة" تخلفنا وسوء حالنا، وأخجل أكثر حتى يندى مني الجبينُ عندما تُحلق بذهني المُتعب حالات الادعائية المفرطة التي نتغنى بها - جهالة وبكل قول امتداح كاذب وصفات سراب بـ"قيعة" الأوهام - ألمعية وهمية لمكانة من الهراء تحاول هي الأخرى عبثا أن تحجب:
- واقع انكسار المثقف،
- واستحكام الجهل،
- وسطوة الرجعية،
- وقيود الكسل،
- وتخلف النخب عن أدوارها التنويرية والتأطيرية،
كالشجرة التي تغطي الغابة أو الأصبع الذي يحجب قرص الشمس.
وعندما ألج الفضاء الأزرق للشبكة العنكبوتية وأبحر بين جزر الواتساب والفيسبوك والانستاغرام والتويتر وغيرها، وأيضا بين المواقع الالكترونية، والمحطات الاذاعية، والقنوات التلفزيونية، يزداد حزني أضعافا على واقعنا التواصلي والاتصالي المزريين، ويصرخ في وجهي سوء استخدامنا إياها ضمن دائرة ضيقة من:
- الهدر المريع للوقت،
- والإسراف الشديد في الكلام الأجوف، الملقى على عواهنه، حول مواضيع متجاوزة؛
كلاما يحمل غالبه وفي طياته:
- علامات الإفلاس الفكري،
- والانحدار الثقافي،
على خلفية الرغبة الجامحة في الإبقاء المرضي على الجمود والانكسار واستئثار الاستمرار في ثنايا أسوء ما في الماضي من خلال ديمومة التغني بالمُنحرف من ملاحم الوهم "السيباتي" والدفاع عن نظم المجتمع المتخلف بمظاهر تراتبية طبقيتها البغيضة وجهويتها، والتغطية الفجة على النزعة التكفيرية التي بالكاد تخفي العجز عن الفهم الصحيح لدين الله الحنيف الذي سيظل يساير البشرية في تطورها ويحفظها من الشطط والزيغ بالتنوير والهداية.
ولكن الأدهى والأمر من هذا الواقع الثقافي المرير، الذي يفقأ العيون، هو الحاصل من إنكاره والتغافل عن انعكاسه السلبي على الحياة الثقافية الراكدة والسياسية المضطربة والتنموية الضعيفة، وما يتيحه من فرص للظلاميين والمفسدين والطفيليين الذين يقتاتون ويستفيدون من حالات الضعف:
- المقيد للحكامات الرشيدة
- والمضيع للطاقات البناءة،
- والمخيب للنفوس الوطنية الأبية.