منذ أن وضع الجنرال محمد ولد عبد العزيز حدا لأول تجربة ديمقراطية تعددية عرفتها موريتانيا، وتوجت بتنصيب أول رئيس مدني منتخب، شهد النسيج الاجتماعي المثقل بالإرث التاريخي تصدعا غير مسبوق بسبب الرعاية الرسمية السامية.
حاول النظام الدكتاتوري الجديد انتهاج الأسلوب الاستعماري المعروف "فرق تسد"، فلعب على حبل الاثنية بتناسق تام مع عزفه المنفرد والخاص، والذي لم يسبق لنظام أن نصب نفسه قائدا لأوركستراه المقيتة.
ومع بدء العد التنازلي لنهاية عشرية الدمار، أدرك النظام المخرِّب أن عدد الراقصين في حلبته المفخخة وعلى أنغام موسيقاه الغادرة لم يكن كافيا لإشعال الفتنة بين أفراد المجتمع المتماسك العصي على الاستجابة لنزوات المغامرين، فعمد إلى تغيير (الخطة: أ) والبدء في نسخ خيوط (الخطة: ب), والتي انتهت الأشغال فيها عشية إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
ورغم مظاهر الشغب "المُسيَّرة والموجهة" والتضخيم المتعمد والتوتير الممنهج ونشر الجيش في الشوارع وتعطيل خدمة الانترنيت وحملات الاختطاف لناشطين حقوقيين وصحفيين والكشف عن مخططات اغتيال صورية... أظهر الشعب الموريتاني نضجا جديدا غاية في الروعة تكسرت على صخرته الخطة البديلة.
ولأن وقت الجنرال بدأ ينفذ كان لزاما عليه الانتقال وبسرعة البرق إلى "الخطة: ج", والتي سرب معلومات عن نجاحها 100% خلال آخر مؤتمر صحفي عقده في اللحظات الأخيرة قبل الصمت الانتخابي، وهي المتعلقة بإطلاق سراح كاتب المقال المسيء ولد امخيطير.
فقد أكد الجنرال ربما عبر زلة لسان انفلتت من لا شعوره المليء بالتفكير في اعتماد الخطة، أن إطلاق سراح ولد امخيطير يشكل خطرا أمنيا على أربعة ملايين مواطن، وبالنسبة له فقد حانت لحظة استثمار ذلك الخطر.
لذلك فأنا أدعوكم وأناشدكم: لا تقتلوا ولد امخيطير وألقوه في غيابات التجاهل حتى يتم تنصيب الرئيس الجديد محمد ولد الشيخ الغزواني.
إن إطلاق سراح المسيء في هذا التوقيت بالذات، ما هو إلا فخ نصبه من لم تستطع شراك فتنته الإمساك بالوقيعة بين مكونات المجتمع عشية إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية.
لقد أوعزت إلى الجنرال المهووس بالبقاء في السلطة خيبة أمله بضرب النسيج الاجتماعي عن طريق تهديد السلم الأهلي من خلال استخدام مشاعرنا الدينية لتوفير أجوائه المفضلة لإعلان حالة الطوارئ وإلغاء نتائج الانتخابات.
فبالله عليكم تجاهلوا إطلاق سراح المسيء ولو إلى حين، وبذلك سيحترق النظام بالشعلة التي هيأها لإحراق البلد.
صيحوا في وجهه: "افعل ما تشاء سيادة الرئيس، وبادر بنهب ما تبقى وتعيين وإقالة واعتقال وإطلاق سراح من تريد، فنحن وحتى الثاني أغسطس المقبل (صم بكم عمي) حتى ترحل غير مأسوف عليك.. وحينها سترى أن الوطن يسع الجميع.. وأننا سنبت في ملفاتنا الشائكة بروح الحل لا بأساليب التعقيد".
إن إفشالكم لـ(الخطة: ج)، المتعلقة بولد امخيطير، سيجعل الجنرال يفكر ألف مرة ومرة قبل الإقدام على انتهاج (الخطة: د) الأخيرة في جعبته المدمرة، والتي ستكون ديون الشيخ الرضى عنوانها العريض.. وحينها سيلجأ الجنرال لفتح باب الطوارئ ليقفز منه خوفا من غضب شعب عانى الأمرين طوال عشريته السوداء.