يعتبر التداول السلمي على السلطة من أهم المبادئ التي تسعى إليها الديمقراطية؛ إذ هي تدعو إلى ترسيخ هذا المبدأ والتشبث به.
وتأتي أهمية التداول السلمي على السلطة كونه يرسي دعائم الإستقرار ويشيع روح السلم والأمن المجتمعيين؛ لما لذلك من انعكاس على جو الاطمئنان والسكينة العامة؛ التي في ظلها يمكن أن تحدث التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة؛ كما تتيح جلب الإستثمارات الدولية.
وقد شهدت بلادنا خلال التسعينات من القرن الماضي بداية المسلسل الديمقراطية وما نجم عنه من إنتخابات تشريعية ورئاسية؛ اختار فيها الموريتانيون من يسن القوانين نيابة عنهم ومن يتولى سدة الحكم فيهم؛ في نظام رئاسي يمنح الرئيس سلطات واسعة.
ورغم ما تخلل تلك الفترات الماضية من انقلابات عسكرية؛ (حركات تصحيح)؛ أدت إلى وأد حلم المواطن في أن يعيش تداولا سلميا على السلطة في البلاد؛ إلا أن انتخابات 22 يونيو 2019، قد منحته الفرصة ثانية في تداول سلمي على السلطة؛ خرج بموجبه رئيس سابق حكم لمأموريتين رئاسيتين؛ ملتزما بمقتضيات الدستور ومفسحا المجال أمام الشعب الموريتاني لاختيار من يترأسه لخمس سنين مقبلة.
ولئن كان المرشح الذي فاز في الاستحقاقات الرئاسية؛ صديق الرئيس المنتهية ولايته، وجنرالا سابقا؛ فقد فتح المجال واسعا أمام المعارضة بمختلف أطيافها ومشاربها الفكرية والآيديولوحية لعرض برامجها الانتخابية وإقناع الناس بها في حملة انتخابية منح فيها الجميع الفرصة لمخاطبة الناس وكسب الرهان الانتخابي.
إنه وبعد إعلان النتائج المؤقتة للانتخابات وما أظهرت من نجاح لأحد المترشحين بنسبة زادت قليلا على ما حصل عليه مرشحوا المعارضة مجتمعين؛ _فلم يقدروا على فرض شوط ثاني_ فإن عليهم وقد أبانوا عن شعبية لا يستهان بها الاعتراف بنتائج الانتخابات أو أن تكون بجعبتهم أدلة دامغة توثق خروقات جسيمة؛ قد تؤدي إلى الطعن في نزاهة الانتخابات ومن ثم إلى إلغائها طبقا للمسطرة القانونية المنصوص عليها في مثل هذه الحالات.
أما إذا لم يكن ذلك المستوى من اليقين في إثبات الخروقات موجودا؛ فإن عليهم أن يباركوا للرئيس الجديد نجاحه؛ وأن يمدوا له يد العون والتعاون في التخطي ببلدنا إلى بر الأمان، وأن يتعاون الجميع في بناء موريتانيا آمنة مزدهرة؛ تتكافأ فيها الفرص ويعيش الجميع في أمن وأمان وعدالة اجتماعية، تفاديا لما يسعى إليه المتربصون - بكيان دولتنا وسلمنا الاجتماعي ولحمتنا الوطنية - من تأزيم وتفرقة وشحن إثني عنصري قد يؤدي إلى مآلات لا تحمد عقباها.
فليتعاون الجميع إذن على الإستمرار في نهج يقود دائما إلى تداول سلمي على السلطة ولو كانت هناك ملاحظات على الأساليب والميكانيزمات المتبعة في تحقيقه؛ فحاجتنا إلى التداول السلمي على السلطة تقتضي التدرج في الوصول إلى مستوى الشفافية التامة في تحقيق ذلك المبتغى.