يروى أن عمر الخيام حكيم نيسابور كان يأتيه فقيه ذو وجهين يطلب علمه غلسا في خلإ، ثم إذا كان في ملإ أطلق لسانه في سب شيخه الخيام، فدعى الخيام أهل المزامير والطبالين إلى منزله فجرا ولما دخل المتفقه ذو الوجهين أمرهم بالنفخ والضرب حتى اجتمع الناس متعجبين ، فخاطبهم عمر الخيام قائلا: هذا فقيهكم الذي عرفتموه يشتمني فإن كنت كما يقول لسانه فلم يسعى في طلب علمي وإن كنت كما تقول أفعاله فلم يسلقني بلسانه؟
لم يكفنا مثقفونا مؤونة الكتابة والتبيين للمتحول والثابت في الخطاب السياسي، وأجد هنا من المهم جدا الإشارة إلى أن الساحة السياسة تحوي ما لا يحصر من المتغيرات وقليلا جدا من الثوابت ، وكل دراسة أو مقاربة لهذه الساحة - لتصل إلى شيء ما - ينبغي أن تكون متأنية وليست على أبواب موسم انتخابي.
أستطيع القول إن الثوابت في الخطاب السياسي في بلادنا هي كالتالي:
- الدين : ومايعتبر ثابتا هنا هو المنطوق الصريح – الضروريات – لا ما يحتمل التأويل.
- الوحدة الوطنية : إذ تعتبر مصدر قوة لامصدر قلق وشقاق.
- الأولويات والإشكاليات الوطنية الكبرى: كالفقر – وتدني التعليم- وفشل النموذج الاقتصادي-غياب البنية التحتية الضرورية
- حق السياسي في الاستقطاب والحشد لفكرته، دون محاكمة الآخرين كأشخاص بل مجادلة الفكرة بالفكرة.
- حق السياسي في انتقاد الوضع العام، والسياسات العامة، دون مبالغة ولا تهويل، ونقد الفكرة وتشريحها لانقد الشخص.
- حق الانتساب للتيارات السياسية والترويج لها دون قيد أو شرط، مادامت أحزابا معترفا بها رسميا.
- ما يعمر بالأخطاء والتبعات السياسية هو ذمة الحزب أساسا وقادتها إلى حد كبير، أما الأفراد مادام الحزب قائما فلهم الحق في الاستقالة منه ولا يجوز إلحاق صفة حزبية بهم بعد ذلك.
وقد حصل أن سارعت إلى دعوة الخيريين من أبناء البلاد – في مقالي الأخير -غزواني رجل المرحلة - من المعارضة خصوصا للالتحاق بركب التغيير الآمن ، فانزاح رجال من الوزن الثقيل لجانب مرشحنا مرشح الإجماع الوطني ، وهذا يبين النضج السياسي الذي بلغوه وتغليبهم لمصلحة الوطن على مصالحهم الشخصية حيث بنوا شعبيتهم على النضال الحقوقي والسياسي، وقد لاتستوعب بعض شعبيتهم هذه التموقعات الجديدة التي تمليها الفرصة السياسية التي أتاحها الرئيس الحالي عبر امتناعه عن الترشح لمأمورية ثالثة، وعبر ترشح رفيق دربه الوفي وأمين سره ابن المشيخة الصوفية الخلوق محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني .
وكما توقعت تماما – في مقالي السابق غزواني رجل المرحلة- ارتفعت عقيرة بعض الطفيليين الذين يرون كالمنافقين أن كل صيحة عليهم. ارتفعت حناجرهم بالغمز واللمز، في محاولة منهم لتثبيط المنضمين الجدد لحملة مرشح الإجماع الوطني، بل بلغ بأحدهم الحنق والغيظ أن حاول الشماتة فيهم بوصفهم بالوفود ، مقارنة بالوفود المسلمة التي أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسر بمقدمها وقال في بعضها هم خير أهل المشرق وفرح بها صحابته لأنها زادتهم قوة وأظهرت دين الله. وهو قياس غير وارد ولا وجه له على جهة التنقيص.
أما من غاظه مقدم الوفود وكثرتها فهم المنافقون الذين كانوا ينتظرون انهيار الإسلام في كل لحظة، فبغض الوافدين على الحق فهو من أفعال رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول، والذي لم يسره مقدم الأنصار أصلا والذي هلك في سنة تسع سنة مقدم الوفود.
ولم يكن الرجوع إلى الحق يوما عيبا، كما يقول العلامة محنض بابه.
ليس من أخطا الصواب بمخط ... إنْ يَؤبْ لا ولا عليهِ ملامَهْ
إنما المخطى المسي من إذا ما ... ظهر الحق لج يحمى كلامه
حسنات الرجوع تذهب عنه سيئات الخطا وتنفي الملامه
ولكنه ضيق الأفق والانتهازية حين تعتري المثقف فينتفخ سحره لمجرد انضمام وافد جديد.
ويتبين هنا خرق هذه الجوقة الانتهازية لأحد ثوابت الخطاب السياسي الاستقطابي وتبني الخطاب التنفيري بغيا أن ينفردوا في الساحة الإعلامية غير واعين بخطورة اللعب بالثوابت وتحويلها.
نجزم أن الوطن يسع الجميع ولاداعي لزرع الشوك في حقول السياسة فالسياسي الناجح هو الذي يستقطب الناس لفكرته ولا يراهم عالة على راتبه الهزيل.
من هنا كان الأولى أن نرحب بجميع المنضمين من جميع أطياف السياسة لدعم مرشحنا مرشح الإجماع الوطني.
والأخطاء السياسية في الحالة العادية، تتحملها ذمم الأحزاب وإلى حد ما رؤساءها خصوصا وليس الأفراد، وبالرغم من كوننا نرى أنه قد كان الأجدر بحزبي تواصل والتكتل أن يعلنا دعمهما اللامشروط لمرشحنا أو على الأقل أن يعلنا حيادهما في هذه الانتخابات الرئاسية ، ولكن يبقى أن نتذكر أن المعارضة جزء صحي من أي مشهد سياسي طبيعي.
وهنا أشيد أنه من حق كل منتسب لحزب سياسي الانسحاب منه في أي اتجاه دون توجيه اللوم له على تاريخه الحزبي ، إذ يوقعنا ذلك في نوع من التناقض الأبله، فكيف نلوم شخصا على فعل ونلومه حين يتركه / نحن حينئذ نحكم عليه بالإعدام السياسي أو بالبقاء في خندقه فدائيا لحين موته وهذه محالفة لثابت سياسي مقرر.
ونحن نشيد بالخطاب المنفتح الذي ألقاه مرشحنا في حفل إعلان ترشحه، ونعتبره نقطة قوة وجاذبية ونرحب بمن لبى نداءه من الأغلبية التي سارعت لدعم ترشحه، أو المعارضة التي تلكأت وأتت وجوهها أخيرا فرادى، لتكمل المشهد ، والأغلبية أو أغلبها وطني يعي مصلحة الوطن ويغلبها على أية مصلحة أخرى، وهي التي دعمت الرئيس الحالي طيلة مشواره السياسي، على أساسها، لكن أفرادا مدعين للثقافة ويسترزقون بها كانوا ومازالوا يدعمون الرئيس لأنه أعطاهم ولو منعهم لقالوا فيه مالم يقله مالك في الخمر، وإلى هؤلاء نوجه اللوم لتنفيرهم للناس وفضهم لهم وبحثهم في نياتهم ومحاولاتهم إلصاق عار بهم، هم منه براء.
أشرت لجوقة النفاق هذه في مقالي السابق وهاهي اليوم تصدقني بأفعالها ، هؤلاء المثقفون الذين لم يكتبوا يوما حرفا عن واقع متردي ولم يلتفتوا يوما لمصلحة المواطن نقول لهم "إنفضوا فلامرحبا بكم" ولا بأساليبكم الدعائية الضيقة التي تروج الكذب والخداع ، نحن واعون بكونكم بلا شعبية وبلا عمق اجتماعي وازن تهاجمون كل وافد على ركب التغيير والبناء الآمن، ولا تلتفتون لمصلحة الوطن ولا المرشح الذي تعلنون – تقية - دعمه خوفا على مصالحكم الشخصية الضيقة، فلتجلسوا بصمت في مقاعدكم ولتتركوا الكلام المفخخ المنفر باسم مرشحنا، فكلما استقطب بحكمته أفرادا مفيدين لفريقه حاولتم نقض غزله. بألسنتكم الحداد. فيا معشر من دعم بقلمه ولم يدعم بقلبه أمسكوا أسافينكم حتى لا ينقلب سحركم عليكم، كل متابع للحقل السياسي يعرفكم، ولايغرنكم حلم الرئيس ورفيقه مرشح الإجماع الوطني ، فوجودكم في المشهد رهن بخفض أصواتكم وإيقاف آلة التآمر التي جربتموها محاولين ثني الرئيس عن دعم ترشح رفيق دربه الأمين – رجل الظل كما سميتموه- ولم تفلحوا ، وها أنتم اليوم تحاولون شق صفوف الأغلبية بنعاقكم، فلتخسأوا ولن تعدوا قدوركم.
هذا مرشح الإجماع الوطني يريد بناء الوطن وما أكثر ما كرر في جميع خرجاته أن ذلك لايصح إلا بتضافر جهود الجميع، فأبشروا إن كنتم من الجميع ، وإن كانت الأنانية طبعا فيكم فغادروا الحملة غير مأسوف عليكم.
ونقول نكاية بهذه الميليشيات الثقافية المرتزقة، مرحبا بكل مواطن قرر دعم مرشحنا ، لاسيما السيد محمد محمود ولد أمات والسيد السفير المختار ولد محمد موسى والسيد عمر الفتح عبد القادر وغيرهم من قادة المعارضة التاريخيين الذين نعي حجم تضحياتهم ونقدمهم أمامنا في صفوف الداعمين لمرشحنا لأنهم رجال وطنيون طالما ما دافعوا عن مصلحة المواطن ولهم شعبية مخلصة ستكون سندا لهم ولمرشحهم.
ونحن في غنى عن القول أن هذا الخطاب الإعلامي بأصنافه، لايمثل توجه مرشحنا، لما فيه من تلاعب بالثوابت السياسية، إذ يقتطع مشاهد تاريخية ليوحى أن أصحابها كان مذمومين بينما كانو محمودين بنص الحديث، وينفر المنضمين بينما دعاهم المرشح صراحة للانضمام إلى صفوف حملته، ويعير بالمواقف السابقة بينما كان الأولى به الصمت حتى لايجر تاريخه الحربائي للعلن، ومع ذلك لم نشهد هذه الحماسة في خطابهم لإبداء أي رأي حول أي موضوع آخر يمس حياة الناس إذ لاتعنيهم من بعيد ولاقريب ، ولئن كانت هذه الجوقة تبطن ما لاتظهر فنحن نكل أمرها إلى الله ولانحاول إلغاء أحد ممن يدعي الانضمام إلى صفوفنا ويشاركنا الوطن ، إلا أننا نعلم أن الأفاعي لاتؤمن على حال.