الكلمة السياسية التي ألقاها نائب رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية السابق الأستاذ محمد محمود ولد أمات باسمه واسم تجمعه الجديد التجمع من أجل الوطن ربما لفتت انتباه الكثيرين خصوصا ممن كانوا ينتظرونها بنوع من الحيرة والخوف والترقب .. كان البعض من المشككين في أن الرجل تخلى عن نضاله مقابل طمع في أمور أخرى غير مدركين أن النضال ليس له مكان محدد ولا زمان مُعين ، كانوا إذًا يراهنون على أن الكلمة ستكون قاصمة للدور السياسي للرجل الذي عود المواطن الموريتاني على كلماته المرتجلة الساخنة والحادة في أغلب الأحيان ، وراهن البعض على أن الكلمة ستكون نشازا في لغة شخص عوَّد الكل على أسلوب خطابي يجب في نظرهم أن يكون مناف تماما لخطابه الجديد ، بمعنى آخر أنهم كانوا ينتظرون كلمة مليئة بالإرتباك في الجوهر والأسلوب وبالإنحدار إلى قاع التعبير والانكسار أمام السيد والتملص نهائيا من كل ماله علاقة بمواقفه التي حفرتها عقود من الزمن في ذاكرة المجتمع .. لكن كلمة ولد أمات في حقيقة الأمر بدَّدت توقعات الكثيرين ممن يخافون منه أويخافون عليه .. استطاع الأستاذ ولد أمات أن يحافظ بشكل أبهر الكل على مكونات أسلوبه الخطابي القديم من لغة لا تخلو من بلاغة وأدب ، ونبرة لا تخلو من الحدة والجدية في آن واحد ، ومضمون سياسي يحمل في خفاياه ما يتمتع به الرجل من حنكة سياسية ثاقبة .. إلا أن الأمر الأكثر إثارة في كلمة ولد أمات هو أنه لم يتخل بتاتا عن مطالبه التي كانت في أولويات خطابه وهو في أوج معارضته ، فقد ظلت المبادئ الثابتة والخطوط الحمراء والخضراء التي كان يضعها قديما حاضرة حتى في هذه الكلمة التي هي إعلان انضمامه إلى قطب محسوب على طيف ظل يعانده ثلاثة عقود من الزمن .. الكلمة أيضا قد يكون لها دور مستقبلي في انتشال المعارضة من تتبع الخيال الشارد دون اعتماد مبادئ حقيقية ثابتة تستند إلى البحث عن مصلحة المجتمع والدولة لا مصلحة الفرد و الجماعة فقط .. وقد أعجبتني عبارة كتبها أحد المدونين تعليقا على كلمة ولد أمات هذه أختم بها : (ليس كل داعم لمرشح السلطة طامعا في بريق نعيمها وليس كل معارض حريصا على مصلحة البلد، وإنما هي الحياة السياسة وتعقيداتها القائلة بنسبية الموقف) ..