لقد تمكن المرشح غزواني من خلال حفل إعلان الترشح والخطاب الذي ألقاه في الحفل من أن يضع رسائل إيجابية في أكثر من صندوق بريد، ولاشك أنه قد استطاع بخطابه القوي في حفل إعلان الترشح أن يخترق جدار الأغلبية الصامتة، بل وجدار المعارضة، ولذلك فقد سارع بعض المعارضين بعد سماعهم للخطاب إلى الإعلان عن دعم صاحب الخطاب، بينما ارتأى معارضون آخرون أن لا يتسرعوا، وأن ينتظروا ما بعد الخطاب.
بالمجمل، فإنه يمكن القول بأن بطاقة الدعوة وشكل الحفل ومضمون الخطاب، بأن كل ذلك قد بعث برسائل في منتهى الإيجابية، ولكن ما حدث بعد ذلك شكل إحباطا كبيرا لمن تخيَّل ولو للحظة، بأننا أمام مترشح مستقل.
إن كل تصرفات المرشح غزواني التي جاءت من بعد إعلان ترشحه قد بعثت برسائل في منتهى السلبية، وأكدت في مجملها بأن خطاب الترشح كان مجرد خروج مؤقت عن النص، وأن الحقيقة الواضحة والجلية هي أن غزواني ما هو إلا استمرار للنهج، وبأنه في حالة فوزه، سيكون بمثابة النسخة الأسوأ من الأصل.
بعد الخطاب تم تسريب حديث للمرشح في آخر اجتماع لمجلس الوزراء يحضره، وقيل بأنه قال في ذلك الحديث بأنه كان من دعاة المأمورية الثالثة وأنه كان من المتمسكين بها. ومع أني لا أستطيع أن أجزم بصحة تلك الجزئية من التسريب، ولا أستطيع أيضا أن أنفيها، إلا أن الشيء الذي كان يجب على المرشح غزواني أن يقوم به بعد ذلك التسريب، إن كانت الجزئية المتعلقة بالتمسك بالمأمورية الثالثة ملفقة، هو أن يبحث عن طريقة ما لتكذيب ما جاء في ذلك التسريب، وهو الشيء الذي لم يقم به، بل على العكس من ذلك فقد اختار أن يكثف من اللقاءات التي لا تبشر بخير، لا على استقلاليته ولا على احترامه للديمقراطية وللدستور، فقرر أن يطلق حملة انتخابية سابقة لأوانها، وكثف من اللقاءات بقيادات ما تبقى من حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وتمت تلبية دعوة النائب الذي قاد مبادرة النواب لمأمورية ثالثة، وتم الإعلان عن أول لجنة تشكل باسم المرشح، وهي اللجنة المكلفة بوضع إستراتيجية إعلامية، والتي جاءت مخيبة للآمال وظهرت فيها أسماء منفرة ومعروفة بجلب الخصومات، وحتى المرشح غزواني نفسه فإنه لم يسلم من هجومها تصريحا أو تلميحا.
إن تشكيلة هذه اللجنة تجعلنا نطرح السؤال : هل يمتلك غزواني الحرية في اختيار لجانه، وإذا ما كان يمتلك تلك الحرية فلماذا قبل باختيار أسماء محترقة وذلك في الوقت الذي توجد فيه أسماء إعلامية "شبه جذابة" كانت قد سارعت إلى إعلان دعمها له.
المصيبة الأكبر هي أن هناك تسريبات إعلامية أخرى تتحدث عن تعيين الوزير الأكثر صدامية (وزير الاقتصاد والمالية) في منصب قيادي في حملة المرشح غزواني، وذلك على الرغم من أن هذا الوزير لم يكتب حتى الآن أي منشور داعم للمرشح، وذلك على الرغم من أنه من الوزراء الأكثر حضورا في مواقع التواصل الاجتماعي.
إن صح أن وزير الاقتصاد والمالية قد تم تعيينه في منصب قيادي في حملة المرشح غزواني فإن ذلك سيؤكد الفرضية التي تقول بأن غزواني ليس هو من يدير الحملة، ولا هو من يعين طاقمها، فلو كان هو من يديرها لما قبل بتعيين الأمين المساعد للحكومة عضوا في هذه اللجنة وهو الذي كان قد وصف المرشح ب"رجل الظل" في أحد مقالاته، وما قبل بتعيين صاحب الوزارتين في منصب قيادي بالحملة.
ومن بين الأمور الأخرى التي تصيب فرضية "المرشح المستقل" في مقتل، هو أن المرشح قد قرر زيارة كل عواصم المقاطعات باستثناء عواصم الولايات، مستخدما طائرة عسكرية قيل أنها مؤجرة، وقد نشر حزب الاتحاد من أجل الجمهورية محضر اجتماع عقده رئيسه مع ممثلي الأحزاب الداعمة بمناسبة تلك الزيارة، وقد جاء في المحضر أن الأحزاب الداعمة للمرشح قد اتفقت على جميع الجوانب التنظيمية، وبما في ذلك اختصار فعاليات زيارة كل مقاطعة على كلمة ترحيبية يلقيها عمدة المقاطعة أو من ينوب عنه من المنتخبين الداعمين للمرشح.
ويعني ذلك بأن الاستمرار في النهج لن يكون إلا في الجوانب السلبية من النهج، فهذه الزيارات لن تكون مناسبة للاتصال بالمواطنين ولا بالداعمين من بسطاء الناس، ولن تكون مناسبة للاستماع إليهم، ولعلكم تذكرون أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز كان في حملة 6/ 6 يلتقي ببسطاء المواطنين، وينتقد المفسدين علنا، وكان يتعمد إحراج الوجهاء بأن يجتمع بهم مع البسطاء من المواطنين، ولقد استطاع بذلك أن يظهر صورة جيدة، وظل يظهر تلك الصورة حتى من بعد تنصيبه، بل وخلال كل سنواته الأولى في الحكم. أما المرشح غزواني فإنه لم يستطع أن يحتفظ بالصورة الإيجابية التي بعثها من خلال خطاب إعلان الترشح، لم يستطع أن يحتفظ بها لأسبوع واحد، فسارع بعد أيام قليلة من إعلان الترشح إلى العودة إلى النهج، وإلى كل ما هو سييء في ذلك النهج.
خلاصة القول أن غزواني فاجأ الكثيرين بخطابه القوي في حفل إعلان الترشح، والذي تجاوز فيه سقف المتوقع منه ومن أي مرشح من داخل النظام، وفاجأهم أيضا في سرعة التقهقر والعودة إلى الوراء في أول لجنة يشكلها من بعد ذلك الخطاب، وكذلك في كل لقاءاته، والتي كان آخرها حضوره لحفل رجال الأعمال والذي حضرته السيدة الأولى، ولا ندري إن كانت قد حضرت هذه المرة بوصفها مواطنة عادية أم بوصفها سيدة أعمال؟
ويبقى السؤال الأهم : لماذا قرر غزواني أو لماذا قُرر له أن يظهر بخطاب قوي جدا، ولماذا سارع من بعد ذلك، أو لماذا أجبر من بعد ذلك على أن يظهر في صور مناقضة تماما لمضامين ذلك الخطاب؟ ذلكم سؤال لم يعد بالإمكان الإجابة عليه في هذا المقال وذلك خوفا من أن يتجاوز المساحة المخصصة له.
حفظ الله موريتانيا..