محمدو ولد محمد المختار
قد لا نبالغ كثيرا كمراقبين إذا قلنا أن المرشح الأكثر حظا في الفوز – وربما بسهولة كبيرة - في الانتخابات الرئاسية القادمة هو مرشح النظام والأغلبية ومعظم القوى الاجتماعية والسياسية المؤثرة في الحياة العامة / السيد محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني، وقد ينطوي هذا القول في ظاهره على استسهال لنزالات الاستحقاقات الرئاسية القادمة، على اعتبار أن كل المؤشرات الموضوعية قد تدفع في اتجاه تأكيد هذه النتيجة .
غير أنه وبصرف النظر عن مسلمة الفوز هذه ، اعتقد أن المرحلة القادمة قد تتطلب من هذا المرشح المستقل، استهلال عهده الجديد ببلورة مشروع وطني طوح، ربما تقوم أهم رهاناته على تحديات كبرى من أهمها:
- تحدي إعادة الاعتبار للولاء للدولة الوطنية الجامعة ، والوقوف بالمقابل وبحزم شديد في وجه جميع الولاءات القبْلية بتسكين الباء من جهوية وعنصرية وقبلية وفئوية وشرائحية ، فلا معنى لاستمرار التخندق في إطار هذه الولاءات الضيقة، بل وطغيانه خلال العقود الأخيرة ما دام الهدف الأسمى يجب أن يظل هو بناء دولة وطنية، ديمقراطية، عادلة وقوية، قادرة على أن تكون ملاذا بديلا ومنصفا لجميع أبنائها .
إن أهمية إعادة الاعتبار لهذا الولاء ، تكمن في كونه يجسد الأساس الوحيد لصهر جميع مكونات شعبنا في لحمة واحدة ونسيج وطني مترابط ومنسجم ، يقوم على احترام حقوق المواطنة وتقديس واجباتها ، ويقطع مع ما نعيشه من وضع ينذر بتفكك النسيج الاجتماعي ويعكس مظاهر بارزة للانقسام والتمزق والانشطار، حيث باتت تنعكس هذه المظاهر وبوضوح في دعاوى المحاصصة الفئوية والشرائحية والعنصرية والجهوية ، بل وفي النفخ في شراع خطابات الكراهية المقيتة .
- تحدي العمل على تعزيز مختلف مؤشرات ملامح التحول الديمقراطي الجديد في البلاد ، بدأ من تأكيد مقتضيات تكريس مبدأ التداول السلمي على السلطة، كما تؤكده المقتضيات الدستورية ويعكسه بصدق الاحترام المقدر للرئيس الحالي المنتهية ولايته السيد/ محمد ولد عبد العزيز لهذا، وكذلك ترسيخ مبدأ الانتماء الفردي للدولة ، أي مبدأ الفردانية في العلاقة الحقوقية بالدولة، بما هي تأكيد على أسبقية فردانية الحقوق والحريات في الدولة الوطنية المعاصرة، و محدد أول لانتماء الفرد إلى هذه الدولة، فلا وجود - تكريسا لهذا المبدأ- لما يسمى الجنسية الجماعية أو الاجتماعية، فالجنسية وهي الرابطة القانونية الأهم في تكييف العلاقة بين المواطن والدولة فردية بطبيعتها، كما أن حق الانتخاب بما يجسده من مشاركة سياسية فردية في تدبير الشأن العام، هو حق فردي كذلك، يقوم على مبدأ المساواة بين جميع المواطنين البالغين، لا فرق فيه بين مواطن وآخر، مهما علت الرتب واختلفت المراكز.
- تحدي العمل الفوري على تجسيد مشروع بناء دولة المواطنة ، بما تعنيه من مساواة في الحقوق ومن إنصاف لكل المغبونين والمظلومين ، فالدولة التي تكرس الغبن وتفاوت الفرص والحظوظ بين مواطنيها ، تخلق بالضرورة الإحساس بالحرمان وبعدم المساواة الوطنية لدى الكثيرين منهم . ولهذا فإن دولة المواطنة القائمة على المساواة بين الجميع والتي ترفض أي شكل من أشكال التمييز بين مواطنينها ، على أساس الجنس أو اللون أو العنصر أو اللغة أو المركز الاجتماعي أو أي أساس آخر ، هي الدولة القادرة أكثر على تحقيق الانسجام بين مكونات شعبها مهما تعددت وعلى تحقيق ما تصبو إليه من أهداف .
- يبقى أن نقول بأن رهانات العهد الجديد عديدة ومتشعبة بحق ، نظرا لحجم التحديات وارتفاع مستوى التطلعات المشروعة لشرائح عريضة من مجتمعنا ظلت خلال العقود الماضية من عمر الدولة تعاني الفقر والحرمان والتهميش ، بينما تنعم قلة قليلة من هذا المجتمع بقوة النفوذ واحتكار الامتيازات ، لذا فإن الرهان الأكبر لهذا العهد الجديد ، يكمن في قدرته على تجاوز كل تلك التحديات وتحقيق الرهانات المطلوبة، بما يفضي إلى ترسيخ الخيار الديمقراطي، ويقطع مع متلازمتي الاستبداد والفساد ، اللتين عانا منهما وبشكل كبير بلدنا منذ قيام دولته الوطنية الحديثة ، كما أنه بذلك تتعزز الشرعية ويتحقق الاستقرار السياسي وتزداد الثقة فيمن يتولى مسؤولية وأمانة تدبير الشأن العام .