تعثرات الوصول لمرشح المعارضة الموحد/ حنفي ولد دهاه

ثلاثاء, 12/02/2019 - 09:17

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية 2019 بدأت المعارضة الموريتانية تلملم أوراقها للخروج بمرشح توافقي، يكون بمقدوره أن يهزم ”مرشح النظام“، و يعيد قاطرة الديمقراطية لسكّتها، بعد أن سلك بها الجنرالات سكة أخرى، مستأنسيين بتجارب أفريقية، أسقط فيها ”مرشح موحد“ دكتاتوريات عاتية، كانت تكابر عوادي التغيير و صروف التناوب الديمقراطي على السلطة. و من أجل تحقيق الحُلم تمّ تشكيل إطار جديد، أطلق عليه ”تحالف المعارضة من أجل المرشح الموحد“، انضمت إليه أحزاب منتدى الديمقراطية و الوحدة، و حزبا التكتل و إيناد المعارضان، اللذان كانا قد انسحبا من المنتدى، إثر موافقته على الدخول في حوار مع نظام ولد عبد العزيز.

و قد خرج تحالف المعارضة بوثيقة أسماها ”إعلان مباديء في أفق رئاسيات 2019“، طالبت فيها بـ ” تهدئة الأوضاع، والعمل على خلق مناخ سياسي طبيعي“ و ذلك من خلال ”الكف عن شيطنة المعارضة الديمقراطية، وعن قمع الحركات السلمية، والسجن التعسفي، ووقف المتابعات القضائية ضد المعارضين.“، وذلك من أجل ”وضع الأسس السليمة لعملية انتخابية“ بأن تتم ”إعادة تشكيل اللجنة الانتخابية بصورة توافقية، وتخويلها كامل الصلاحيات والاستقلالية، ومنحها الوسائل المالية والتقنية والبشرية التي تمكنها من أداء مهمتها“، و كذلك ”إعداد الملف الانتخابي واللوائح الانتخابية بصورة توافقية وشفافة“ و أن يمنح الموريتانيون المقيمون في الخارج حقهم في التسجيل في هده اللوائح“ و أن يضمن” الحياد التام للدولة بجميع أجهزتها“ و يحترم ”قانون التعارض“، و ”عدم استخدام المال العام و وسائل الدولة وسلطتها وهيبتها“، ثم ”ضمان رقابة حقيقية ذات مصداقية وطنية و دولية تتابع المسلسل الانتخابي بجميع مراحله“.

الترشيحات مستوفية الشروط

و بخصوص المعايير المطلوب توّفرها في ”المرشح الموحّد“ (أو ”الرئيسي“، كما حلا للوثيقة أن تحتاط به لاحتمالات استراتيجية و تكتيكية أخرى، قد تتعدد فيها ترشيحات المعارضة) فهي، حسب الوثيقة“ أن يكون ”جامعاً لأكبر عدد من الموريتانيين الراغبين في التغيير، مستوعباً لطموحات ومطالب كل فئات وأعراق المجتمع، قادراَ على المنافسة، مقنعاَ وملتزماَ ببناء دولة المؤسسات والقانون والمواطنة.. يجسد برنامج التغيير الذي حملته المعارضة الديمقراطية من عقود من الزمن“.

إن اشتراط المعارضة في وثيقتها لـ ”تجسيد التغيير الذي حملته المعارضة الموريتانية منذ عقود“، كان العقبة في عدة ترشيحات، حاول أصحابها تمريرها عبر قناة المعارضة، التي لم يسبق أن سلكوها، و إن سلكوها فمكرهين غير أبطال، و من ضمن هؤلاء المرشحين الوزير الأول الأسبق سيدي محمد ولد بوبكر، و الوزير الأول السابق مولاي ولد محمد لغظف، الذي حاولت بعض الأوساط، رغم حداثة عهده بقيادة سفينة نظام ولد عبد العزيز، أن تروّج لترشيح المعارضة له.. أما السيناتور الشيخ ولد حننه، فقد احتجّ زملاءه الشيوخ على إقصاءه، محاججين بـ“بطولته التاريخية“ في إفشال تمرير التعديلات الدستورية، عبر غرفة الشيوخ، و هي ”الشفاعة“ التي وجدت آذانا صاغية، من طرف المنتدى المعارض، غير أن مصادر في اللجنة العليا لـ“تحالف المعارضة من أجل المرشح الموحد“ تؤكد عدم أخذ ترشحه بعين الاعتبار، بسبب شرط ”تجسيد التغيير“ الجوهري.

انحصرت الأسماء التي تجسد ”التغيير“ و القطيعة مع الماضي، و التي تميزّت بتاريخها في مقارعة الديكتاتورية و الاستبداد، في محمد ولد مولود (رئيس اتحاد قوى التقدم) و محفوظ ولد بتاح (رئيس حزب اللقاء الديمقراطي) و بيرام ولد الداه ولد اعبيدي (رئيس حركة إيرا الحقوقية، و مرشح حزب الصواب ذي الميول البعثية). غير أن المعضلة التي واجهها المنتدى، و هو بصدد اقتراح أسماء مرشحيه على ”اللجنة العليا“، هي إصرار بيرام و حزبه الصواب على تقديمه مرشحاً للرئاسيات المقبلة، في جميع الأحوال، و ضغط ولد الداه ولد اعبيدي على المعارضة و سخريته منهم في مؤتمراته الصحفية، و إصرار محفوظ ولد بتاح أيضاً على الترشح، و تلميح و تصريح بعض قيادي اتحاد قوى التقدم بترشيح الحزب لولد مولود، و هو ما نفاه لوغرمو عبدول، مؤكداً أنه ”مجرد فت في أعضاد المعارضة“،

رغم الحظوظ الذاتية لولد مولود في ترشيح المعارضة له، و الرضا الذي حـظي به اقتراحه لدى شباب المعارضة و نشطائها في الخارج، إلا أن حملة استهدفته من بعض الخصوم الإيديولوجيين، اعتبرت أن فرصه في تمرير ترشحه من خلال اللجنة العليا التي تتألف من عشرة أشخاص، ممثلين لأحزاب مختلفة، يعززها أن ستة منهم ينتمون لذات المجموعة القبلية التي ينتمي لها ولد مولود، غير أن ولد مولود نفسه أكد لزملاءه في ”المنتدى“ أن ”لا رغبة له البتةَ في الترشح لرئاسيات 2019“.

أما محفوظ ولد بتاح، فترتطم حظوظه بفشله في دخول البرلمان، مما يعبر عن ضآلة حجمه السياسي.. و بشذوذه عن إجماع المعارضة بعدم مقاطعته للاستفتاء الأخير على الدستور.

في حين يعتقد مقيّمو بيرام ولد الداه ولد اعبيدي، في المنتدى أنه ”فشل في السياسة و إن نجح في مجاله الحقوقي“ عكس مسعود ولد بلخير ”الذي نجح في السياسة و إن فشل في مجال حقوق الإنسان“، كما أنه لا تؤمن بوادره، و ”خطابه، الذي يصفونه، بالتطرف ينفّر و لا يبشر“، ثم أن ”شعبيته في وسط لحراطين لا تزال محدودة، فالذين يصوتون لبيرام في الانتخابات أغلبهم من الزنوج، الذين يُتوقع أن يولوا وجوههم شطر مرشح الزنوج المحتمل“.

كلٌّ يعمل على شاكلته..

في خضم البحث عن مرشح توافقي، يمكنه أن يلّم شمل المعارضة على شعثه، تترك أحزابُ الزنوج الموريتانيين المُعارِضة الجواد وحيداً، و تقرر البحث عن مرشح من بني جلدتها، فتؤكد مصادر متطابقة أنها قد تكون بصدد الدفع بصمب تيام رئيس حزب القوى التقدمية للتغيير في وغى الرئاسيات المقبلة.

كما تتحدث مصادر من داخل منتدى المعارضة عن خبو جذوة حماس تكتل القوى الديمقراطية، الذي يبدو غير آبهٍ بنازلة ”المرشح الموحد“، و يرى قيادي في المنتدى أن دعوة ولد داداه في تصريح صحفي أخير للحوار، لا تخلو من ريبة، و قد يكون الهدف منها البحث عن حجة لمقاطعة الانتخابات القادمة، مؤكداً أن ما ينبغي البحث عنه في هذا الوقت هو ”تفاهمات“ و ليس حواراً“. غير أنه قد لا يستبعد أن تضخّ دماء حماس جديد في عروق التكتل لو تم اختيار التكنوقراط القريب من دوائره محمد محمود ولد محمد صالح ليكون ”المرشح الموحد“. و لكن مصادر من داخل المنتدى أكدت لتقدمي اعتذار ولد محمد صالح عن الترشح، بعد أن حاولت شخصيات معارضة إقناعه بذلك.

مرشح من خارج الأحزاب

تؤكد مصادر في المنتدى أن حزب ”تواصل“ الذي يعتبر أكبر أحزاب المعارضة الموريتانية، اشترط ضمنياً (و ربما عبارة ”اقترح“ هي المناسبة) أن يتم اختيار ”المرشح الموحد“ من خارج أحزاب المعارضة و إن دار في أفلاكها، و قد عبّر جميل ولد منصور القيادي في تواصل عن ذلك في تدوينة له، حيث رأى أن ”من المرغوب فيه أن ترشح المعارضة شخصية منها أو من محيطها تقدم خطابها وتشرح برنامجها“. و ربما في هذا الإطار تواصل الوزير الأول الأسبق سيدي محمد ولد بوبكر بقياديين في ”تواصل“، حيث أبدى رغبته في أن يكون مرشح ”المعارضة الموحد“، و رغم عدم وضوح رد ”تواصل“ على رغبة ولد بوبكر في تبنيها لترشحه، إلا أن نشطاء على شبكات التواصل محسوبين على الحزب لم يخفوا حماسهم له.

في هذا الصدد حاول أحمد ولد سيدي باب، رغم أنه ليس من موقع ”إعلان المباديء“، الدفع بطرق خفية بابنه محي الدين ليكون ”مرشح المعارضة“، و هو الخيار الذي تم تسويقه بحجة ”أن أبناء عمومة الرجل و رجال عشيرته الميسورة لن يتأخروا عن تمويل حملته“، حيث أن مشكلة ”التمويل“ هي أكثر ما يقلق المعارضة.

الشائعة التكتيك

من الأسماء المرشحة التي تم تداولها في المواقع الألكترونية و وسائل التواصل الاجتماعية، اسم رجل الأعمال المغاضب محمد ولد بوعماتو، و هي شائعة لم يدّخر السيناتور محمد ولد غده جهداً، في إضرام نارها في الهشيم، حسب مصادر في المنتدى، و رغم أنها فكرة تخرم الشروط المحددة في البند الخامس في ”إعلان المباديء“ فإنها لم تطرح إطلاقا على مستوىً جدي، كما أن ولد بوعماتو دأب على نفيها، مما يرجّح أن الهدف منها هو تسويق معارضة الرجل خارجياً، و ربطها بـ ”مذكرة التوقيف الدولية“ التي صدرت في حقه، كيما تظل دائما قضية سياسية و ليست جنائية.

ثم أن الرجل لم يفتأ ـ حسب ما أكدته مصادر خاصة ـ يبحث سراً عن ”مرشح“ يقدمه للمعارضة، بعد أن اعتذر له صديقه ”محمد فال ولد عيينه“، قبل أن يُحسب عليه ولد بوبكر، و يرى راءون أنه قد يكون ”مرتاحا لترشيح ولد الغزواني“.

و مهما يكن، فلا يمكن للمعارضة إلا أن تختار مرشحا يحظى بموافقة ولد بوعماتو، فمنه وحده تنتظر تمويل حملته.

البحث فرادى

الوضعية المربكة: رؤساء أحزاب مصرون على الترشح أو الترشيح، و اقتراح ”تواصل“استبعاد الحزبيين، و التزام الممول المفترض محمد ولد بوعماتو الصمت اتجاه الترشحيات، و عدم ترجيحه كفة منهم و إن بإيماءة، و الوقت السياسي الذي يطاردها، جعلت ”اللجنة العليا“ تطلب من أحزاب المنتدى أن تجتمع فرادى و تقدم لها ”اسماً“ يضاف لقائمة من الأسماء، يتم التصويت عليها في مرحلة لاحقة يعتمد فيها ”المرشح الموحد“، بحصوله على أكثرية الأصوات.

و قد بدأت الأحزاب عقد اجتماعاتها، و لكنه لا بداية، حتى الآن، لنهاية دورانها في متاهة.

تابعنا على فيسبوك