الاصطحاب الذي ذكرنا آنفا ينفي ذلك.
لم يؤرق الدولة العميقة في العقد الأخير عدو غير الإسلاميين الذين انتزعوا زعامة المعارضة فجأة، وقد اقتضت الاستراتيجية التي وضعها رجال الظل كما دلت على ذلك الأحداث خطتين متلازمتين منطقيا.
الخطة الأولى : وهي أن يُشدّد على الإسلاميين باستهداف مراكزهم ومؤسساتهم التي تنشط في التعليم وتخرِّجُ من يرفعون راية الإسلام السياسي في كل مكان ويدعون إليه في أهليهم وقبائلهم ومدنهم، فيُغلق مركز تكوين العلماء وجامعة عبدالله بن ياسين ومعهد ورش وجمعية المستقبل ... وهلم جرا.
ويُشدَّد عليهم -أيضا- باستهداف جمعياتهم الخيرية التي تنشر حبهم بين الناس وملاحقة رجال الأعمال الذين يُعدَّون منهم، وما زالت الدولة العميقة كما تقتضي الخطة الأولى تُقيّدُهم وتوصد أمامهم كل باب حتى تحدث الناس عن سحب ترخيص تواصل.
الخطة الثانية: تقتضي استغلال الخطة الأولى على وجه يوهم الإسلاميين بوجود تغيير جذري في الدولة أو رؤية جديدة للواقع تفتح لهم ما أوصد من أبواب وتمدّ إليهم حبال الوصل بعد ذلك الجفاء الذي أضعف عزيمة بعضهم، وليس هدف الاستراتيجية كلّها إلا تفكيك منظومتهم في موريتانيا، وهذا هو التفسير المنطقي لما حدث من انسحابات في حزب تواصل.
ولم يكن ذكر الخطتين – فيما تقدّم - دون المحمدين إلا استحضارا لدورهما الحقيقي كأداة في يد الدولة العميقة ليس إلا، وهي التي فرقت بينهما لتقضي على آخر خصومها من إسلاميين وغيرهم بسياسة الاحتضان بعد الجفاء، وهي التي ستجمع بينهما غدا إذا اقتضت الحاجة ذلك.
ومن هذا المنطلق يمكن أن نفسر إقدام محمد الأول على إيداع ملفه، بل يمكن أن نجد تفسيرا لكثير من الأشياء التي لم نستوعب حقيقتها، ونذكر منها على سبيل المثال:
- وجود أغلب رجال محمد الأول في نظام محمد الثاني، وهو أمر يستحيل عقلا لو لم يكن ثمة متصرف تُبنى أفعاله للمجهول، ولا نرى إلا ما ينوب عنه في عمله.
- لم يستطع الإسلاميون الذين انضموا إلى النظام أن يشغلوا مناصب كبيرة في الدولة.
- استمرار نظام محمد الأخير في نهج الأول إن لم يكن أدهى وأمر، كل ذلك يدل على أنه لم يتغير أي شيء وإنما هو شَرَكٌ اصطاد به رجال الظل خصومهم واحدا وحدا.
وخلاصة القول إن كل الأحداث التي جرت بعد انتخاب غزواني لم نجد لها تفسيرا مقنعا، وعدم وجود تفسير منطقي لأي صراع دليل على اصطناعه... بل هو تمويه استراتيجي استطاع من خلاله العسكر أن يحكم على خصمه الأول "الإسلاميين" بالتفرق والضعف... ولا يمكن استبعاد عودة عزيز للحكم ولو بعد انتهاء المأمورية القادمة إذ لا يوجد سبب واحد للخلاف بين المحمدين والدولة قسمة بينهم منذ عقدين من الزمن.