لقد استمرت المقاومة الموريتانية عـدة عـقـود ، وتعددت وتنوعت أساليبها على امتداد المجـال المـوريـتـانـي حـيـث أخذت أشكالا مختلفة من الـصـولات المباغتة، والغارات الخاطفة، والكمائن المحكمة ،والالتحام المباشـر، وهو ما يبرهن عليه المستوى النوعي لمعارك المقاومة الموريتانية التي تجاوزت المائة، واستشهد فيهـا نـصـف أمـراء الـبـلاد يومها، وأهم قادتها العشائريين والمئات من المجاهدين، غير أن خسائر الفرنسيين كانت كبيرة فـقـد قـتـل قائد جيش الاحتلال ومنظر المشروع الاستعماري كبولاني مع عـشـرات مـن قـادتـه الميـدانيين ومـئـات مـن جنوده كما حدث في ميـت وبـوكـادوم وتجـكـجـة و النيملان ولـكـويـشـيشـي و تـشـيت ولبيرات والميـنـان وواد التكليات ووديان الخروب وأم التونسي وميجك وغيرها من أيام المقاومة التي أقـر الـفـرنـسـيـون عـلـى إثرهـا بخسارة أكثر من 700 جندي،وعـدد لـيـوفـيـسـكـي واحـدا وعـشـريـن ضـابـطـا فـرنـسـيـا قـتـلـوا في مـنـاطـق آدرار والـسـاحـل وحـدهـا في الفترة من 30 دجمبر 1908 إلى 14 مارس 1932.
وعلى الجبهة الثقافية مثلت مقاطعة المدرسة الاستعمارية سلاحا آخر من أسلحةالمقاومة ، كما كانت المحظرة و الزاوية و المسجد دروعـا واقية و صمامات أمان للهوية العربية الإسلامية و لقيم المجتمع و موروثه الحضاري بكل مظاهره و تجلياته،
وفي هذا السياق ، يعترف أحد الفرنسيين الذين حكموا موريتانيا إبان الفترة الاستعمارية بنجاح المحظرة في تأدية رسالتها الحضارية مؤكدا أن "المحاظر قد تمكنت، على العموم، من الصمود في وجه الغزو الثقافي الأجنبي واضطلعت برسالتها المتمثلة في صيانة تراث ثقافي يمثل بالنسبة لها مدعاة فخر واعتزاز"
ولم يكن الشعراء بمعزل عن هذه الأحداث فقد نظم الشعراء قصائد ثورية تستنهض الهمم ضد المد الاستعماري الفرنسي ،دفاعا عن مقومات الأمة لغتها ، و ددينها وأرضها ، وسيرا على نهج المقاومة
لم تكن الممانعة الاجتماعية التي جبه بها المستعمر الفرنسي إلا وجها آخر من وجوه المقاومة في هذه البلاد والتي تتجلى في :
- الهجرة الفردية و الجماعية لبعض العلماء و الجماعات الذين هاجروا خارج البلاد التي غلب عليها المستعمر الفرنسي .
- الهروب من سكنى المدن خشية الاحتكاك بالفرنسيين
- رفض الخدمة العسكرية
- مقاطعة المنتجات المستحدثة و غير المحلية .
فقد كان محمـد بـن الطالب إبراهيم التاكاطي (ت1375 هـ) لايستعمل الألبسة التي فيها خياطـة غـير محلية، وكان لايستعمل لحيوانـه الحقـن والأدوية التي ينتجهاالنصارى
– رفض البعض أخـذ الهدايـا والجواري من الحكام الفرنسيين ومعاونيهم من أهل البلاد .
– الامتنــاع و التحايل على تسديد الضرائب .
وقد تميزت المقاومة بالـوجـود المكثف للعلماء والأمراء والقيادات العشائرية الذين كانوا في مـقـدمـة ركب المقاومة وفي أغلـب مـعـاركـهـا في عـمـوم التراب الموريتاني، غير أن ذلك لا يعني بالتأكيد غياب فئات المجتمع الأخـرى الـتـي سـاهمت في هـذا المجهـود الـوطـنـي بحسب قابلياتها وطبيعة وظيفتها الاجتماعيـة مـن خـلال الـتـأطـيـر الـديـنـي ، وصـنـاعـة صنوف السلاح، و تأمين الأقـوات للمجاهدين، والمشاركة الميدانية في المعارك ومهام الاستطلاع والدلالة وسقاية المقاتلين ورعاية جمالهم وسياسة خيلهم، وقـد شـاركـت النساء في المجهود الحربي مـن خلال نصب الخيام و إعداد الطعام للمجاهدين وتضميد جروح المقاتلين وتحريضهم على القتال .
إن توفر هذه العوامل مجتمعة مثل الأسـس المـوضـوعية لاندلاع مقاومة مسلحة قـويـة ارتـبـط نشـاطها بحماس ديني كبير، وأثبتت كفاءتها في العديد من المواقع باعتراف الفرنسيين أنفسهم ،
و على الرغم من أهمية المقاومة في صون الهوية الثقافية وتأخير إخضاع البلاد للاستعمار الفرنسي لفترة من الزمن ، إلا أن تراجع المقاومة العسكرية ساهم في الاستقرار المتدرج للمستعمر في البلاد ورغم ذلك الاستقرار للمستعمر الفرنسي فقد وقفت هذه الشخصيات الوطنية في وجه المستعمر وإن كانت لم تستطع أن تحول دون سقوط البلاد في يد الاستعمار الفرنسي، لكنها بلا شك أعطت مثالا للتضحية والفداء في سبيل الوطن، وظلت هذه الشخصيات الوطنية متمثلة في رجالات الدين والمقاومة يترقبون الفرصة لمعاودة الكفاح ضد المستعمر الفرنسي، حتى نجحت الحركة الوطنية في البلاد الموريتانية وفي غيرها من البلاد الإفريقية في تحقيق أهدافها في أعقاب الحرب العالمية الثانية وكان عام 1960 وهو عام إفريقيا بحق إذ استقلت فيه عدة دول في غرب القارة وفي شرقها ووسطها والتي من ضمنها بلادنا - ما اضطر المستعمر أن يحمل عصاه من هذه البلاد ويرحل .