لطالما حدثونا عن التحضر في القرن ال 21، و عن المعايير و القيم و النظم و المؤسسية التي يتشدق بها نخبة عالمنا اليوم، نسمعهم يتكلمون عن العدالة الإجتماعية و المساواة و القانون الدولي و الديمقراطية و الإنسانية و الإحترام و الرأي و الرأي الآخر، و حق تقرير المصير، و غير ذلك من القواميس التي تزخر بها وسائل الإعلام، و يزعم عالمنا المتحضر(المحتضر)، الدعوة لها و دعمها.
لكن... حين تنظر إلى ما يحدث في فلسطين الحبيبة، و في غزة المجيدة بالأخص، ستدرك للوهلة الأولى أن كل تلك المصطلحات، مجرد فقاعات فارغة، و شعارات جوفاء، و كلمات صماء، ستدرك أن القانون الدولي يعني مصلحة القوي(آمريكا، ابريطانيا، فرنسا،...)، و الديمقراطية تعني إختيار ما يخدم أجندات الغرب، أما العدالة و المساوات، فليست سوى قتل و قهر و إذلال كل من يريد أن يكون مستقلا بذاته لا يخضع لإمبراطورية القوي.
و ستخبرك الأشلاء الممزقة، و الدماء النازفة، و الأطفال و النساء المذبوحون بآلات الإبادة الإسراأمريكية، و المستشفيات المدمرة و المدارس المحطمة، و كل مظاهر القتل و التقتيل، ستخبرك أن الإنسانية لا تعرف هؤلاء و لا تسكن في جوارهم، فقط هم يلبسون ثوبها حتى لا يظهر شكلهم الوحشي.
إن حربا على القيم و الإنسانية و المبادئ و الضمير و حتى على العقل، تجري الآن في غزة، بحماية زعماء عالم اليوم المتحضر(المحتضر).
زعماء ليس لهم من الزعامة سوى الزعم، و ليس لهم من الضمير سوى الظلم، و ليس لهم من الإنسانية، سوى القتل.
إن أي إنسان به نقطة صغيرة من الإنسانية، لا يمكنه ان يرى ما يحدث في غزة دون أن يتفطر قلبه أسى و تنهمر دموعه حزنا، و دون أن يدرك بلا شك أن حربا على السلم و السلام و الإسلام و الإيمان، يخوضها من لا سلم و لا سلام و لا إسلام و لا إيمان لهم.
إن مصطلحات التعبير عن الإجرام و الإفساد تنفذ حين نحاول التعبير عن ما يحدث في غزة الإباء، و يقف التعبير حائرا أمام المشاهد الفظيعة و المجازر الإبادية التي يتعرض لها الشعب الغزاوي من طرف الكيان الصهيوني و آمريكا و بمباركة من العالم المتحضر(المحتضر)، و بمتابعة من الأمم المتحدة و المؤسسات الدولية دون تحريك ساكن، و بصمت و تغافل و تجاهل تام من طرف الدول الإسلامية و العربية و الغربية.
ما ذا ينتظر عالم اليوم المتحضر (المحتضر)، من سكان غزة بل و من سكان العالم، و ماذا يعني بالنازية، و الداعشية و تلك المصطلحات التي يحاول أن يصف بها الآخرين؟
هل يظن أنه حين يصف المقاومين المدافعين عن أرضهم و وطنهم و كرامتهم، حين يصفهم بالنازية، و الداعشية، و هو يقتل الأطفال و النساء و يمزق أشلاءهم، و يدمر المستشفيات و المدارس و يقطع الماء و الغذاء و الكهرباء و الدواء و الوقود، عن الأبرياء، هل يظن أنه يصفهم بشر؟
لا و كلا، فحين يصفك مجرم بأنك مجرم، فتأكد بأنك مصلح أو سائر في طريق الإصلاح، لقد بلغ السيل الزبد و بلغت الأمور من الإنكشاف و الوضوح درجة يقرأها الأمي، و يدركها العبي.
فغزة و شعبها الآن، يمثلون الحق و الخير و كل من يتآمر عليهم أو يرضى أو يسكت أو يتجاهل واقعهم دون أن يقدم السند لهم، يمثل الباطل و الشر.
فأبن اهل الحق و أصحاب الضمائر و ذوي النفوس الطيبة الأبية؟
ألا إن الأشرار قد أعلنوا حربا عليكم،( فمن شاء فليومن و من شاء فليكفر).
و إنا لنسأل " أليس منكم رجل رشيد؟"
القصطلاني إبراهيم