تعتبر انتخابات 13 مايو 2023 أطول انتخابات شهد تها البلاد حيث استمرت مكاتب التصويت مفتوحة ليومين متتالين، يوم للتصويت وآخر للفرز وتسجيل النتائج وإعداد كم هائل من المحاضر والمستخرجات ( 28 محضر و 12 مستخرج- على الأقل) قد تزيد هذه المستخرجات بزيادة عدد ممثلي الأحزاب المترشحة؛ الذي وصل في بعض الأحيان 25 لائحة متنافسة على نفس الاستحقاق الانتخابي!، ولكم أن تتخيلوا صعوبة انسجام هذا الكم الهائل من الممثلين للأحزاب والذين غالبا ما يكون تعليمهم متدني وتعليماتهم التي زودوا بها تعيق ولا تفيد؛ فمثلا أغلب هؤلاء كأنه أمر بكتابة كل كلمة يسمعها وكل معلومة يتم تداولها؛ ثم تراه يكثر الأسئلة وقت لزوم الصمت، كلحظة الفرز أو تدوين النتائج وتثبيتها على المحاضر؛ وهنا أعتقد أنه في المستقبل يجب تكوين هؤلاء تكوينا كافيا لمواكبة العملية بهدوء تقتضيه طبيعتها، وانسجام تام يعين على امتصاص الحماس الزائد بين المتنافسين على الأقل في ذلك اليوم الحساس حتى تخرج النتائج في جو هادئ يطبعه التركيز والمتابعة حتى لا يدعي شاهد ما التشويش على متابعته ومشاهدته التي يبني عليها تقرير شهادته. لقد غيرت هذه الانتخابات الخارطة السياسية بشكل جلي حيث ظهرت أحزاب كانت تعد مجهرية، وتراجعت أحزاب كانت تمثل هوية المعارضة، وقلاع النزال الانتخابي في مقارعة الأنظمة المتعاقبة، ومن نتائج ذلك ظهور وجوه سياسية جديدة واختفاء أخرى احتكرت المناصب المحلية والتمثيل النيابي، ردحا من الزمن؛ حتى سئمها المواطن، فصار يعبر عن ذلك استنكارا بأنها وجوه سياسية محنطة. ومن ناحية أخرى خلصت النتائج الأولية إلى إظهار الحجم الحقيقي لكثير من السياسيين المفتونين بأنفسهم، والذين غرهم الصراخ من حولهم والجمهرة أمامهم، ونسوا أن جل المتجمهرين قد يألفون الضحاك تسلية؛ لا حبا في مصدره ولا قناعة بفكره. لقد شهدت بعض المناطق تنافسا محموما ونزالا سياسيا قويا جدا، ويمكن أن نستأنس من ذلك بثلاث أو أربع عينات مثالا لا حصرا، فمثلا عندما نتجه إلى انواكشوط نجد مثالا مختلفا عن السابق حيث حصل اكتساح كبير وكسب وفير لأغلب المناصب السياسية، بلدية كانت أو نيابية، مقاطعية أوجهوية أوتشريعية، وهذه سابقة غيرت اللوحة السياسية في انواكشوط؛ وهي المدينة الكبيرة التي لم تخل يوما من قلاع للمعارضة!؛ واعتقد أن مرد هذا التغيير كان من أسبابه الظاهرة نزول بعض الوزراء للتنسيق الميداني والإشراف المباشر على حملة حزبهم وكذا الخبرة الواسعة لمنسق انواكشوط الذي خاض النزال السياسي الصعب في الانتخابات الماضية والتي اشتد التنافس فيها آنذاك في عرفات؛ ثم عاد اليوم وكسب كل شيء بعد أن كان قد خسر أهم شيء أيام كان وزيرا للمال والأعمال.. وهنا يظهر أن الرجل خرج بظفر سياسي كبير يؤهله في قادم الأيام لقيادة الحزب أو الحكومة. أما في انواذيب فقد كان النزال الأقوي والأشد اضطرابا؛ تحركت الأموال فهاجت في وجهها العواطف، ارتفعت سواعد الأقوياء وعدا ووعيدا فنزلت أمامها عبرات الضعفاء ثم كانت منها أقوى على تحصيل المؤمل؛ وفي النهاية نجح الوطن لأن الكل أبناؤه.. وفي كيفة وبير أم اكرين مثلا وفي مناطق أخرى تغير المشهد ونجح المغاضبون في إثبات أحقيتهم في الترشيح الذي منعوا منه أصلا؛ وكانت ثمار ذلك من سعد رجال استخدموا العقل في استقطابهم فلبسوا ثوبا من الحكمة أدخلهم قبة البرلمان وآل إليهم به تسيير مجالس محلية. على العموم يمكن القول أن هذه الانتخابات رغم صعوبتها وطول الإجراءات المصاحبة لها خرجت بنتائج معتبرة رغم المنغصات التي حصلت خاصة في المناطق الشرقية حسب ما تداولته المنصات والمواقع الإخبارية؛ وهنا يلزم التحرك بسرعة؛ ضبطا للأمن، وبسطا للسكينة، وإشاعة للعدل حتى ينال كل مستحق حقه، وطبعا لا بد من إعادة الانتخاب في تلك الأماكن التي ظهرت صناديق تصويتها مكسرة لصعوبة الرجوع إلى المعطيات التي كانت بها. وبخصوص التسجيل عن بعد رغم محاسنه التي يعد منها تسجيل الناخبين في أماكنهم المفضلة للاقتراع دون انقطاعهم عن عملهم؛ وفي ذلك توفير كبير للجهد والوقت، فإن من مساوئه سهولة التأثير على إرادة الناخبين المحليين الذين يجدون الفائدة في الجماعة المحلية التي تسير بلديتهم مثلا أو يتضررون منها؛ عكس الوافدين يوم الاقتراع فقط؛ الذين لا يكترثون لذلك، وهنا أعتقد أنه من الظلم البين لهؤلاء أن تسلب إرادتهم بهذا الشكل الذي يظهر نعومة الإجراء لكنها تخفي خشونة وقبحا سياسيا كبيرا، مما يستدعي إعادة النظر في دواعي التسجيل عن بعد فلا يسمح مثلا بذلك إلا لعامل في منطقة بعيدة عن مسقط رأسه الذي يفضل التصويت فيه، أو مكان سكنه الذي ألفه ويؤلف فيه وله القدرة على إثبات ذلك، أما بقاء الحال على هذا الحال؛ ففيه من العبث بإرادة ومصير الساكنة المحلية لكل بلدية ما في الضرب والتنكيل والقهر من الضرر والإضرار حيث لا ينبغي أن يكون هناك ضرر ولا ضرار. أخيرا أعتقد أن من محاسن هذه الانتخابات وجود منصة ألكترونية تجمع كل النتائج عبر تطبيق يفتح نافذه حصرية لكل مكتب مربوطة بهاتف أحد أعضاء هذا المكتب؛ تتميز بالدقة والانسياب الذي يتيح اطلاع كل الموريتانيين على كل النتائج في أي نقطة من البلاد؛ وأعتقد أن من النواقص الملحة جدا عدم وجود جهاز للبصمة بدل الحبر الذي يسبب مراوغات قد تنتهي بسكبه على المكتب أو بطاقات التصويت، واعتقد أن النقطة المثارة حول تسجيل بعض الموتى ينبغي أن يأخذها الأحياء ممن يتعين عليهم الأمر بمحمل الجد حتى يتجاوزوا لعنتها.