الرسالة الرئاسية لقادة الأحزاب السياسية تتويج للمناخ السياسي الهادئ/ الحضرمي ولد محمد ولد انداه

جمعة, 05/05/2023 - 08:22

لم تشهد بلادنا منذ الاستقلال إلى اليوم مرحلة من التصالح مع الذات، وإرساء جو التهدئة السياسية، مع اختلاف في ظل الاحترام، والتباين في المواقف دون تشنج، كما عرفته وعايشته في السنوات الثلاث الأخيرة من مأمورية التعمير والبناء، ولعل مرد ذلك هو قطاف ثمرة تعهد قطعه فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني على نفسه بإرساء جو سياسي هادئ، لقناعته الراسخة بأن وطننا بحاجة إلى جميع قواه الحية، وإدراكا منه أن كل فرد من واجبه أن يساهم في مجهود البناء الوطني، رغم الاختلاف وتباين الآراء.

 

 

 

وقد ظهر ذلك جليا من خلال حرص فخامته على صون المكتسبات الوطنية سبيلا لتوحيد الصف، وتعزيز اللحمة الوطنية، فاستقبل بعد انتخابه مباشرة ممثلي الطيف السياسي من منافسيه في الانتخابات الرئاسية، وكذا رؤساء الأحزاب السياسية، والشخصيات المرجعية الوازنة في المشهد المجتمعي العام، فحاز بجدارة قصب سبق المشورة في الأمر، ضاربا بذلك مثلا في الوفاء بالعهود، فأثمرت التهدئة السياسية في عهده الميمون تشاورا، واتفاقا للطيف السياسي الوطني على مبادئ عامة للدخول في تشاور وطني شامل، يعالج الإشكالات والقضايا الجوهرية التي يحتاجها الوطن ظل بابه مشرعا حتى اليوم.

 

 

 

كما أن سعي فخامة رئيس الجمهورية الدؤوب على أن يظل الجميع منفتحا للنقاش حول جميع القضايا الوطنية، جعله يهيئ الظروف الملائمة لذلك، فأعطى توجيهاته السامية لوزارة الداخلية كي تطلق مسارا تشاوريا مع الأحزاب السياسية، حول التحضير التشاركي والتوافقي للانتخابات البلدية والجهوية والنيابية، أفضى لإنشاء لجنة مستقلة للانتخابات تحظى بثقة الجميع، وتُوج بالتوقيع على وثيقة مكنت بلادنا من تحقيق مكتسبات وطنية بالغة الأهمية، طالت إيجابياتها مختلف جوانب النظام التمثيلي، والمنظومة الانتخابية، فتوسعت وتنوعت قاعدة التمثيل، وتعزز حضور الشباب، وتم دعم الإنصاف بين الجنسين، وأُمنت فرص جدية لتمثيل ذوي الاحتياجات الخاصة، فضلا عن تصحيح انحراف تمثيلي دام لسنوات عديدة، استعادت من خلاله جالياتنا في الخارج حقها الدستوري في أن تختار من بين أفرادها من يمثلها في السلطة التشريعية، مما سيساعد في محاربة الظلم والغبن، وشتى أشكال التمييز غير الإيجابي أيا كانت.

 

 

 

واللافت أن مبنى ومعنى الرسالة الرئاسية التي بعثها فحامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، لقادة الأحزاب السياسية، عكسا بحق ملامح مشروع مجتمعي صائب تعانق فيه العدالة الوعي المدني المتقدم، والحس الوطني المرهف لشعبنا الغني بتنوعه العرقي ومقدراته الاقتصادية الواعدة، التي أكد فخامته في الرسالة نفسها محافظة الدولة على توازناتها الاقتصادية الكبرى بتأمين استقرار سعر الصرف، والتحكم في التضخم، والتغلب على معضلة المديونية، فضلا عن توسيع وتنوع شبكات الأمان الاجتماعي، وتعزيز الأمن الغذائي من خلال العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، الذي قطعنا في مضماره أشواطا واعدة ومبشرة بإذن الله.

 

 

 

ولعل الخطوات المتسارعة في عمل المنظومة الرئاسية، والموغلة في النبل والوطنية، بدء بخطاب وادان التاريخي، مرورا بالتوقيع على نداء جول، وانتهاء بالزيارتين المفاجئتين للمستشفى الوطني، ومستشفى الأم والطفل، وإبعادهما عن التغطية الإعلامية المعهودة، وقبلهما حرص فخامته على مشاطرة حماة الثغور إفطارهم الرمضاني، كل ذلك شكل رسائل عميقة في بعدها الوطني، والإنساني جعل البعض يرى فيهما "تثويرا للفعل الرئاسي"، لن يهنأ معه متلاعب بأمن الوطن، ولا عابث بوحدته الوطنية، ولا مقصر في أداء واجبه المهني، ولا ساع لتبديد ماله العام، الذي ولَّى زمن التغاضي عن مختلسيه ومحاسبتهم إلى غير رجعة.

 

 

 

ومن الواضح من هذه المعطيات أن ذلك لم يكن ممكنا لو لم تكن لدى فخامة رئيس الجمهورية رؤية بعيدة لمآلات الشأن العام، تتجاوز الممارسات البائدة التي طبعت مشهدنا السياسي لعقود خلت إلى مساحة من الاستماع للآخر، ومد جسور للتواصل بين مختلف الفرقاء السياسيين، بعد أن طغى التنابز بالألقاب، والجفاء على علاقتهم بالمنظومة الحاكمة، فتسنم أشرس المعارضين في عهد فخامته أعلى المناصب، وغدت الأغلبية الرئاسية مطمئنة على عدم معاقبة أي منها على خياراته؛ التي يرى فيها مصلحة للنظام، قد تمنع بعض خصومه المعارضين من زيادة حصصهم التمثيلية في انتخابات انطلقت الحملة الممهدة لها.

 

 

 

ومهما يكن من أمر، فلا عذر لأي منا في عدم اغتنام هذه الفرصة الأولى من نوعها في تاريخ بلادنا، والتي تحظى بمشاركة، ومباركة مختلف الطيف السياسي الوطني، لقطع الطريق أمام سدنة الاستقطاب والاحتقان والتحريض تغليبا للمصلحة العليا للبلاد، ممتثلين وصية فخامته بالاختلاف باحترام، والتعبير عن تباين الآراء برقي، والتنافس بقوة لكن في إطار من المسؤولية الأخلاقية والالتزام الأدبي.

تابعنا على فيسبوك