مع كل بداية شهر رمضان يرسل لنا أولئك الميسورون الذين رزقهم الله نعمة الصحة والمال ووفقهم لأن بذلوا أموالهم بالسفر إلى بلاد الحرمين لأداء مناسك العمرة وزيارة مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا شك أن كل هذا من علامات التوفيق بأن بذلوا أموالهم ووقتهم وجهدهم في طاعة الله واستحضروا مواسم الخير في هذا الشهر الكريم فهنيئا لهم وكما قال صلى الله عليه وسلم ( ذهب أهل الدثور بالأجور ) ورغم كل ذلك تتوالى علينا صورهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها فهذا يرسل صورته خلف الكعبة المشرفة وقد ارتدى ملابس الإحرام وهذه صورة أخرى ينشرها أحدهم وهو خلف مقام إبراهيم عليه السلام وذاك آخر يرفع يديه بالدعاء بين الصفا والمروة وعيناه ترمق هاتف من يقوم بتصويره وتلك أخرى قد أرسلت صورتها وهي في الروضة المشرفة وآخر يحاول أن يوفق لإلتقاط صورة مناسبة رغم الزحام خلف قبر سيدنا محمد صلى على عليه وسلم ويكتب معلقا - أنا في أطهر مكان في الوجود - وما أثار استغرابي هو ذلك الذي حرص أن يرسل لنا صوره في جميع المزارات والمساجد التي زارها ومن جميع الزوايا لكل صورة يرسلها ويكتب معلقا أدعوا الله لنا القبول وبطبيعة الحال يجد هؤلاء عشرات التعليقات من أصدقائهم ومحبيهم ابتداء ممن يطلبون منهم الدعاء وانتهاء بمن يذكرونهم بضرورة استصحاب هدايا لهم من بلاد الحرمين ناهيك عن مئات علامات الاعجاب والغريب أنهم وهم في هذه الرحلة الايمانية القصيرة وجدوا الوقت الكافي للرد على كل تلك التعليقات وحقيقة كل مظاهر استعراض هذه العبادات للناس ترسخ شعورين متضاربين
الاول أن هؤلاء الاشخاص قطعا صادقون في عبادتهم وتوجههم إلى الله لكن غابت عنهم ملحوظه مهمة وهي من صميم الدين أن العبادة يجب أن تكون خالصة لله وألا يخالطها العجب والرياء وإخلاص النية يقتضي البعد كل عن ما قد يعتقد أنه خلاف ذلك وكثيرة هي النصوص الشرعية التي تدل على ذلك فعلى سبيل المثال لا الحصر مارواه أبو هريرة رضي الله عنه مرفوعا قال الله تعالى ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه )
ومعنى هذا أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يروي عن ربه عز وجل -ويسمَّى بالحديث القدسي- أنه يتبرأ من العمل الذي دخله مشاركةٌ لأحد برياءٍ أو غيره؛ لأنه سبحانه لا يقبل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم .
وإلا فما هو السبب الحقيقي وراء نشر هؤلاء لعباداتهم والتشهير بها بين الناس سوى ما ذكرنا لذا فواجبنا اتجاه هؤلاء الأخوة هو النصح والإرشاد والتوجيه بالتي هي أحسن وبالطبع من غير تشهير وكما يقال في لغة التواصل الاجتماعي - على الخاص - حتى يدرك ويتضح له المقصود
أما النوع الثاني فهم المغرمون والمفتونون بتصوير كل تفاصيل حياتهم بما في ذلك العبادات ومشاركتها مع الغير فمن السهل جدا أن تتعرف على يومياتهم ابتداء من مكان احتسائهم للقهوة صباحا في المقهى الفلاني وانتهاء بعودتهم لمنازلهم مساء ولاشك أن كل شخص حر في الطريقه التي يرى أنها مناسبة للتعبير عن مشاعره ولعله يشعر بالسعادة أكثر عند مشاركتها مع الاخرين وتفاعلهم معها ولكن حقيقة ومن وجهة نظري المتواضعة تبقى العبادات مقدسة ولها خصوصيتها ولكن للأسف البعض يعتقد أنها من ضمن مايسمح بنشره حتى أنني رأيت أحدهم صور نفسه ساجدا وعلق ( أقرب مايكون العبد لربه وهو ساجد )
لانملك لهؤلاء إلا الدعاء ومن يدري ربما كانوا صادقين فالله اعلم بعباده ولكن من حيث العموم لايجب أبدا نشر ماهو لله كالصلاة والحج وغيرها من المناسك لعامة الناس لأن ذلك قد يقتضي الرياء والذي هو من مبطلات الاعمال لذا كان حريا بنا عدم إظهار واستعراض العبادات وهذا ما أرشد إليه ديننا الحنيف ومنه مارواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله يوم لاظل إلا ظله ( ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) وهذا من شدة المبالغة في إخفاء الطاعات جعلنا الله وإياكم ممن يخلصون العمل لوجهه الكريم.
الشيخ احمد ولد نافع
محامي وأستاذ جامعي