رغم أن مصادقة مجلس الوزراء على مشروع قانون ينظم المنافسة ويحارب الإحتكار والتحكم غير المشروع في السوق جاء متأخرا، إلا أنه قرار مهم يمس جانبا أساسيا يؤثر بصورة مباشرة في حياة المواطن وظروف عيشه.
ذلك أنه من أخطر العوامل التي تؤثر في سوقنا وتتسبب في اختلال توازنه وفي الأرتفاعات المتتالية للأسعار هو تحكم عدد قليل من الموردين والتجار في السوق وممارسة الإحتكار فيه سواء كان احتكارا تاما أواحتكار قلة مما جعل دور المنافسة محدودا جدا، إن وجد أصلا، نظرا لسيطرة أولئك الفاعلين على السوق وقدرتهم على التحكم في العوامل المؤثرة في الأسعار.
لقد أصبح هذا الوضع المنافي لقواعد المنافسة الحرة وما تجلبه من فوائد للإقتصاد ولكل الأطراف': بائعين ومشترين، شديد التأثير سلبيا على حياة المواطن نظرا لما يتسبب فيه من إرتفاع الأسعار بشكل جنوني بات يرهق ميزانيات حتى أصحاب الدخول المتوسطة ومن باب أولى محدودي الدخل و أوئك الذين لايتلقون دخلا ويدمر قدرتهم الشرائية ، وهم ،كما هو معلوم، يشكلون النسبة الأكبر من المجتمع.
إن إختلال نظام المنافسة ووجود أطراف تتحكم في السوق ولديها القدرة على الإتفاق في ما بينها على أساليب لتكريس ذلك التحكم بشكل يقضي على المنافسة، بات يعرض مصالح المواطن البسيط للخطر ويفاقم مستويات الفقر والإحتياج ويبدد جهود الدولة لمواجهة موجات إرتفاع الأسعار غير المسبوقة، وهو وضع لم يعد مقبولا ولا متحملا خاصة في ظل الأوضاع الخارجية شديدة التأثير على الواقع المحلي.
ومن هنا فإنه بات من الضروري العمل على محاربة تلك المسلكيات بحزم وصرامة وفعالية الأمر الذي يتطلب إصلاح بنية الرقابة على السوق وضبطه وتنظيمه بما يضمن سيادة المنافسة وفعالية الرقابة . وفي هذا الإطار فإن مصادقة الحكومة على مشروع قانون لتنظيم المنافسة وضبط السوق وإنشاء مجلس وطني مكلف بتلك المهمة للوقوف في وجه التحكم غير المشروع في السوق وممارسة الإحتكار والتجمع بقصد إقصاء المنافسين الآخرين للتحكم في الإستيراد وتحديد أسعار المواد، يمثل أملا في معالجة الإختلالات التي يشهدها السوق المحلي ويخفف من ضغوط الإرتفاعات المتواصلة لأسعار المواد الأساسية.
وإذا ما نجحت وزارة التجارة في وضع نظام فعال لضمان المنافسة وضبط السوق، فإنها ستكون واجهت أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع الأسعار المتواصل وما ينحر عنه من تأثير كارثي على حياة المواطن وظروفه المعيشية.
و في هذا السياق فإن إنشاء مجلس وطني لتنظيم المنافسة وضبط السوق ومحاربة الإحتكار والتجمع غير المشروع للنفوذ الاقتصادي والتجاري ، سيمثل إلى جانب إنشاء هيئة وطنية لمراقبة جودة وسلامة المواد الغذائية والدوائية، آليتين مؤسسيتين ضروريين لحماية صحة المواطن و قوته الشرائية ، بل ولحماية مصالح كل الفاعلين والمتدخين في النشاطات الإنتاجية والتوزيعية في البلاد، وهي خطوات طال إنتظارها.
وبالإضافة إلى ما تقدم فإن من شأن تنظيم السوق وضمان سيادة المنافسة أن يحارب الاتجار في المواد الرديئة والمواد منتهية الصلاحية والضارة بصحة المواطن و يساهم في قيام المزيد من المشاريع الإنتاجية والخدمية ويشجع المنتجين والتجار على العمل من أجل تحسين جودة المنتجات وسلامة حفظ المواد وكلها أمور تخدم المستهلك والمجتمع بشكل عام.
وغني عن البيان أن تنظيم السوق وضبطه ورقابة سيادة المنافسة هي أمور لا تتنافى مع حرية السوق، بل إنها على العكس تحارب الفوضوية والتحكم غير المشروع في الأسواق وتضمن مستويات متوازنة للأسعار وهو ما نحتاجه الآن أكثر من أي وقت مضى.
ومما يؤكد الحاجة لإنساء الأجهزة المذكورة أن القرارات و الإحراءات التي اتخذتها الحكومة في السنوات الأخيرة بقصد تحديد أسعار المواد الأساسية لا تلبث أن يتم الإلتفاف عليها من طرف التجار نظرا لقدرتهم على التحكم في السوق وبالتالي تفقد مفعولها ونتيجة لذلك تستمر الأسعار في الإرتفاع بشكل متواصل.
غير أنه وبغض النظر عن أهمية تلك الخطوات إلا أن الرهان ،كما هو معلوم، معلق على فعالية أداء تلك الآليات وضمان تحصينها من تأثير أي عوامل سلبية كالفساد و المحاباة و سوء إختيار المسؤولين عن تسييرها، لأن حصول أي من ذلك سيحولها إلى أجهزة لخدمة أصحاب المصالح التجارية على حساب المواطن المطحون بسبب الاحتكار وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة الناجم عن غياب ضبط السوق وإنعدام المنافسة الحرة التي تعد شرطا ضروريا لتفعيل قواعد السوق وتوازن العرض والطلب.
ومن البديهي أن مهمة ضبط وتنظيم السوق ومحاربة الإحتكار والإتجار بالمواد المضرة بصحة المواطن ليست مهمة سهلة ولا يمكن أن تتحقق بمجرد إصدار قانون هنا أو إنشاء جهاز هناك، بل إنها تتطلب إرادة قوية وكفاءة في الإدارة وتوازنا في مراعاة مصالح جميع الأطراف سواء كانوا منتجين أو موردين أو تجارا أو مستهلكين، ويمكن أن تتحقق مصالح هؤلاء جميعا بضمان المنافسة الحرة ومحاربة كل أساليب التأثير المشروع على السوق .
د. الصوفي ولد الشيباني
أستاذ الاقتصاد بجامعة نواكشوط