من منا -نحن جيل ماقبل تغول التعليم الخصوصي- لايتذكر سنواته الأولى في المدرسة العمومية؟ من منا لايشعر بالحنين إلى تلك الأيام الجميلة والمليئة بالمرح والتسلية واللعب مع مستوى عال من الجدية والتحصيل والاجتهاد...
شخصيا، أذكر خطواتي الأولى في المدرسة رقم 1 بمدينة كيفة حيث كنا نتمشى في أوقات الإستراحة في ساحات فسيحة مزينة بمساحات خضراء في جو مرح وأخوي وآمن. كما أتذكر جيدا حصة الرياضة حيث كنا نخرج من القسم فرحين نمارس رياضة الجري أحيانا ونلعب كرة القدم أحيانا أخرى...
أتذكر تنوع زملائي في القسم آنذاك، حيث تجد الأسمر والأبيض والأحمر... تجد الغني والمتوسط والفقير...
أتذكر أشياء كثيرة وذكريات جميلة لايمحوها الزمن تجعلني أشعر بالحسرة والأسف على تفويتها على الأجيال الصاعدة وحرمانهم من فرص كثيرة كانت تتيحها المدرسة العمومية لتلامذتها.
يعد القرار الوزاري القاضي بتسجيل تلاميذ السنة الأولى الأساسية حصرا في المدارس العمومية قرارا وطنيا ومناسبا يمثل عودة للأمل وخطوة مهمة في المسار الصحيح لتلافي الضياع والتدني الحاصل في مجال التعليم والذي سببه بالمقام الأول الانتشار السريع والخارج عن السيطرة لمؤسسات التعليم الخاص في العقدين الأخيرين.
من شأن هذا القرار أن يعيد للمدرسة العمومية دورها في بناء الأجيال ويعزز مكانتها ويخلق تكافؤاً بين القطاعين العام والخاص. بالإضافة إلى تسهيل تمرير البرامج والسياسات الحكومية خاصة تلك الهادفة إلى المحافظة على الأخلاق والقيم الوطنية الموروثة وترسيخ مفهوم المواطن وتقوية اللحمة الوطنية بين مختلف مكونات شعبنا العزيز.
من جهة أولياء التلاميذ، وتحديدا فيما يخص التردد والمخاوف من إرسال الأبناء إلى المدارس العمومية، فحسب رأيي، لا مبرر لتلك المخاوف في ظل التوجه الحكومي الحالي.
وليس من الحكمة أن يسعى أولياء التلاميذ في إفشال هذا القرار الذي سيتيح للأطفال فرصة ثمنية سيكون لها أثرا إيجابيا كبيرا على مستوى تكوين شخصياتهم وإثراء معارفهم واكتشافهم لمختلف ثقافات وطنهم... وهي مكاسب غاية في الأهمية ويحتاجها النشأ في حياتهم اليومية ومن أجل بناء المستقبل.
أما من جهة الحكومة، فمن وجهة نظري، على الوزارة المعنية أن لاتحاول فرض هذا القرار دفعة واحدة، بل عليها أن تضع خطة متأنية وخريطةطريق واضحة تضمن تطبيقه بشكل تدريجي وهو ما من شأنه أن يقلل من مخاطر الفشل ويعزز فرص النجاح.
على سبيل المثال بإمكان الوزارة، هذا العام، تطبيق القرار في جميع ولايات الداخل. أما في ولايات انواكشوط الثلاثة فإن الكثافة السكانية والطاقة الاستيعابية المحدودة للمدارس تفرض علينا التدرج في تطبيق القرار حيث بإمكان الوزارة المعنية الاكتفاء باقتصاره - في العام الدراسي الحالي- على إحدي مقاطعات العاصمة كمرحلة تجريبية يتم تعميمها فيما بعد حسب النتائج والتقييمات الميدانية.
وتبقى المدرسة العمومية ضرورة وطنية لابديل عنها. إلا أنه لابد من تضافر الجهود الحكومية والأهلية كل حسب موقعة والدور المنوط به، من أجل أن تستعيد ألقها وريادتها ودورها في النهوض بالوطن.