في البداية نحمد الله تبارك وتعالى ونشكره على ما من به من أمطار على موريتانيا، في لحظة هي في أمس الحاجة إليها، بعد ما آلت إليه الظروف المعيشية للسكان من الشدة والتأزم تحت ضغط الجفاف داخليا وغلاء أسعار المواد الاستهلاكية دوليا.
وبهذه المناسبة السعيدة، مناسبة الأمطار المباركة إن شاء الله، فإنني أهنئ كافة الشعب الموريتاني في عموم التراب الوطني، كما أهنئ الحكومة الموريتانية، وأخص بالتهنئة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي يتحمل أكثر من غيره مسؤولية تدبير شؤون ساكنة هذا المنكب من الأرض المسمى موريتانيا.
لقد جاءت هذه الأمطار في وقت بلغت فيه قلوب المنمين الحناجر، خوفا على حياة ما بقي معهم بعد الجفاف من المواشي، وأضحت الأرض لا تنبت زرعا ولا كلأ، والحكومة في هم وغم بين مطرقة مطالب الشعوب الرازحة تحت وطأة غلاء المعيشة، وسندان غلاء الأسعار الخارج عن الإرادة، أصبح الجميع حاكما ومحكوما في حالة من الترغب والعجر وكأن لسان حالهم يقول فلا ملجأ من الله إلا إليه، فجاءت الاستجابة من الله رحمة بعباده، فأنزل الغيث من بعد ما قنطوا، وكان غيثا مباركا تميز ببعض الخصوصيات لم يألفها الموريتانيون، أولها أنه جاء مبكرا قبل موسم تساقط الأمطار المعهود لدى الجميع، وثانيها أنه عاما شمل جميع التراب الوطني، وثالثها أنها كانت أمطارا غزيرة حتى على ولايات الشمال التي لم تعهد تساقط كميات كبيرة من الأمطار بالمقاييس التي سجلت في هذه الأيام حيث تجاوزت 100مم خلال 72 ساعة في كثير من البلدات.
غير أن فرصة هذه الأمطار يخشى أن تضيع، ما لم تتخذ جملة من الإجراءات القوية والسريعة في آن واحد، تبدأ بإصدار قرار رئاسي بزراعة جميع الأراضي الصالحة للزراعة، حسب طبيعة التربة وما تصلح له من أنواع الحبوب، وتحميل المسؤولية في تطبيق القرار لخمس جهات أساسية تعمل بالتنسيق لتنفيذه، هي وزارة الزراعة، وزارة الدفاع، وزارة الداخلية، رجال الأعمال والأحزاب السياسية، تعمل هذه الجهات بالتنسيق كل حسب ما يليه ويعنيه على مستوى كل ولاية حتى يتم تنفيذ قرار رئيس الجمهورية.
أعتقد جازما أن دعوة رئيس الجمهورية إلى فتح حملة زراعية تدوم ثلاثين يوما، تسخر لها الدولة وسائلها ويتبرع فيها رجال الأعمال والسياسيون لصالح الشعب، ستمكن من الحصول على الدعم المطلوب حتى يتمكن المزارعون من السيطرة على زراعة الأودية ولكراير قبل فوات الأوان.
لا بد هنا من التذكير أن قطاعنا الخاص يستورد أكثر مما ينتج، مما يضاعف على الدولة مسؤولية تأطير المجتمع وتوجيهه وتمويل النشاطات الزراعية ومتابعة تنفيذها مع الإرشادات الفنية الضرورية، ثم تسهيل عملية النقل والتسويق.
لا ينبغي للدولة أن تترك السيادة الغذائية تحت رحمة قانون العرض والطلب، بل لا بد من فرض سياسة إنتاجية تعتمد على على موارد الدولة ورجال الأعمال الوطنيين، بعيدا عن الاستدانة من هيئات التمويل الدولية حتى لا تحول شروطها وأجنداتها الموجهة دون تحقيق نهضة زراعية نحن في أمس الحاجة لتحقيقها، ونمتلك القدرات والمقدرات الكفيلة بتحقيقها.
لا بد أيضا من خلق ثقافة الإنتاج لدى المجتمع وكذلك توعيته على أهمية استهلاك المنتوج المحلي، وما لذلك من أهمية صحية ودعم قوي للمنتجين المحليين، وينبغي أن نعي جميعا أهمية الإنتاج المحلي من الناحية الصحية ومن ناحية تأمين الاكتفاء الذاتي من الغذاء وتوفير العملة الصعبة من خلال نقص التوريد وزيادة التصدير إن أمكن، كما أن الأوضاع المتقلبة والمعقدة للعالم ينبغي أن تدفعنا إلى الاعتماد على النفس في جميع المجالات، وخاصة المجال الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي، ولنا عبرة في أزمة كوفيد19 وأزمة معبر الكركارات والحرب الروسية الأوكرانية.