يُخدره الأمن السياسي ويُشغلهُ بالشعارات الجهوية والعرقية والقبلية…
والهدف الأساس هو أن تظل شرذمة قليلة تنهب خيرات بلادنا.
تتقدم دول الجيران من حولنا، وتقطع أشواطًا مهمة في سبيل التنمية، وتظل بلادنا ترزح تحت وطأة فقر المواطن وتخلف البلد بسبب استشراء الفساد.
وسيظل بلدنا موريتانيا في هذا المربع البائس التعيس ما دام الشعب -بكل مكوناته- منشغلا بآفتي الجهوية والقبلية وكذلك الحمية العرقية…
كل قبيلة اليوم تتفاخر بعدد الأصوات التي منحتها لمرشح المؤسسة العسكرية، وكل جهة تلعن الأخرى، وتلومها على ما حدث من تخلف للبلد وما يحدث له الآن… ونفس الشيء بالنسبة للأعراق، كل عرق وكل لون يتهم الثاني بالدونية والعنصرية ويحمله مسؤلية التدهور المستمر…
وهكذا في هذا الجو المحموم بالانشغال الساذج بهذه الآفات العبثية: تصبح الفرصة سانحة -لبارونات الفساد- ليدخلوا بالوعاتهم في خزائن البلد ليمتصوا المليارات! والشعب في غفلة، بل اهتمامه منصب حول المقاطعة والجهة واللون والعرق…
والغريب أن موريتانيا لم تُحكم أبدا منذ إنشائها -حتى يومنا هذا- باسم أي قبيلة ولا أي جهة.
أيام كان يحكم جيل التأسيس -الذي درّبه المستعمر الفرنسي على تسيير الإدارات- كان الشعب بسيطا بطبعه، وأغلبه يعيش في الأرياف النقية، ولم يكن حينها أحد يعرف العقارات والقصور الفارهة ولا يحتاج سيارات V8 لإيصال الأطفال للمدارس ولا يحتاج سيارات هيليكس لتقفي الإبل وغيرها من الثروات الحيوانية…
كان جل رجالات الدولة -وقتئذ- يريدون البناء، ويقنعون بالراتب، يومها شارك الجميع من أبناء هذا الوطن من كل الجهات وكل الأعراق في ذلك الجهد، كل من موقعه…
لكن حينما طغت عقلية التمول والنهب واقتناء الفيلات وبناء الأسواق وشراء العقارات في أوروبا وتركيا والسنغال والمغرب… وغير ذلك من أنواع نرجسية حب التملك والتربح أصبح الجميع مشاركين في الفساد وفي تدمير البلاد، وكذلك في التملق للحكام!
يشارك اليوم أيضا أبناء كل الجهات وكل الولايات وجميع مكونات هذا الشعب بيضًا وسودًا وحمرًا في نهب المشاريع العمومية…
نعم شاركت كل الجهات وكل أعراق هذا الشعب في قبول الرشاوي المادية والمعنوية والميزات الشخصية مقابل توقيع صفقات فاسدة مع رجال أعمال وطنيين وأجانب على حساب المصلحة العليا للبلد. نفس الشيء يفعله المسؤولون السياسيون حينما يمثلون بلدهم هذا في التفاوض والتوقيع على إتفاقيات ثنائية أو إقليمية أو دولية، لا يبحث أحد إلا عن مصالحه الشخصية الضيقة.
مما شاركت وما زالت تشارك كل المكونات الاجتماعية للشعب الموريتاني في تكريس دور القبيلة للاستفادة من الزبونية السياسة. وطبعا هذا ما تعول عليه المؤسسة العسكرية المسيطرة، في إضفاء نوع من الشرعية على هيمنتها على البلاد وخيراتها عبر انتخابات صورية، كلما جاء موسم من مواسم الانتخابات. حيث تعهد مهمة ملء الصناديق ببطاقات مرشح الحزب الحاكم، وهذا ما يضمن حسم تلك الانتخابات لصالح مرشح العسكر، وغالبا ما تكون البروباغاندا الانتخابية تحت يافطة الاستقرار للبلد.
محمد ولد آمه
كاتب صحفي ومترجم سابق في قناة الجزيرة