كييف/ماريوبول: ضربت صواريخ روسية العاصمة الأوكرانية كييف وعدداً من المدن الرئيسية الأخرى، اليوم السبت، بينما قالت موسكو إن قواتها طهرت المنطقة السكنية بماريوبول بالكامل من القوات الأوكرانية، ولم يتبق سوى عدد قليل من المقاتلين الأوكرانيين في مصنع للصلب بالمدينة الساحلية الجنوبية الواقعة تحت الحصار.
ولم يتسن التحقق بشكل مستقل من زعم روسيا بأنها سيطرت على ماريوبول، التي شهدت أعنف قتال في الحرب وأسوأ كارثة إنسانية، وستكون أول مدينة كبرى تسقط في أيدي القوات الروسية منذ الغزو في 24 فبراير شباط.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لموقع بوابة أوكرانسكا برافدا الإخباري “الوضع صعب للغاية” في ماريوبول.
وتابع “جنودنا محاصرون والجرحى محاصرون. هناك أزمة إنسانية… ومع ذلك الرجال يدافعون عن أنفسهم”.
وبينما شنت روسيا هجمات بعيدة المدى بعد إغراق سفينتها الحربية الرئيسية في البحر الأسود، قالت موسكو إن طائراتها قصفت مصنعاً لإصلاح الدبابات في العاصمة، حيث سمع دوي انفجار وشوهد دخان في منطقة دارنيتسكي الجنوبية الشرقية. وقال رئيس بلدية المدينة إن شخصاً واحداً على الأقل لقي حتفه، وإن المسعفين يكافحون لإنقاذ آخرين.
وقال الجيش الأوكراني إن طائرات حربية روسية أقلعت من روسيا البيضاء أطلقت صواريخ أيضاً على منطقة لفيف بالقرب من الحدود البولندية، حيث أسقطت الدفاعات الجوية الأوكرانية أربعة صواريخ كروز.
ولم تتضرر المدينة الغربية نسبياً حتى الآن من الصراع، وهي بمثابة ملاذ للاجئين ولوكالات الإغاثة الدولية.
وفي ماريوبول، وصل صحفيون من رويترز في المناطق التي تسيطر عليها روسيا من المدينة إلى مصنع إيليتش للصلب، الذي تقول موسكو إنها استولت عليه يوم الجمعة، وهو واحد من مصنعين عملاقين للمعادن تحصن فيهما المدافعون في أنفاق ومخابئ تحت الأرض.
وتحول المصنع إلى أنقاض، مع عدم وجود أي علامة على وجود مدافعين هناك. وفي الخارج تناثرت ما لا يقل عن ست جثث لمدنيين في الشوارع القريبة منها جثة امرأة.
وفي إشارة نادرة للحياة، سارت سيارة حمراء ببطء في شارع خال، وكتبت كلمة “أطفال” على بطاقة مثبتة على الزجاج الأمامي.
ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن وزارة الدفاع قولها اليوم إنها طهرت المنطقة السكنية في ماريوبول بالكامل من القوات الأوكرانية وحاصرت “فلول” المقاتلين في مصنع آزوفستال للصلب. وأضافت الوكالة أنه حتى اليوم السبت، فقدت القوات الأوكرانية في المدينة الساحلية المحاصرة أكثر من أربعة آلاف فرد.
ولم يصدر أي رد حتى الآن من كييف على ما أعلنته روسيا.
وقال حاكم إقليم خاركيف في الشرق إن شخصاً واحداً على الأقل لقي حتفه، وأصيب 18 في هجوم صاروخي.
وفي ميكولايف، وهي مدينة قريبة من الجبهة الجنوبية، قالت روسيا إنها قصفت مصنعاً لصيانة المركبات العسكرية.
وجاءت الهجمات في أعقاب إعلان روسيا يوم الجمعة أنها ستكثف الضربات بعيدة المدى رداً على أعمال “تخريبية” و”إرهابية” لم تحددها، وذلك بعد ساعات من تأكيدها غرق سفينتها الرئيسية في البحر الأسود، موسكفا.
وتقول واشنطن وكييف إن السفينة، التي أصبح غرقها رمزاً لتحدي أوكرانيا، أصيبت بصواريخ أوكرانية. وتقول موسكو إنها غرقت بعد حريق، وإنه تم إجلاء طاقمها المؤلف من 500 فرد
ونشرت وزارة الدفاع الروسية مقطع فيديو لقائد البحرية الأميرال نيكولاي يفمينوف أثناء لقائه في ساحة عرض مع حوالي 100 بحار قالت إنهم من أفراد الطاقم.
وبعد شهر ونصف من غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا، تحاول روسيا الاستيلاء على الأراضي في الجنوب والشرق بعد الانسحاب من الشمال بعد هجوم واسع على كييف تم صده في ضواحي العاصمة.
وتركت القوات الروسية التي انسحبت من الشمال بلدات تناثرت فيها جثث المدنيين، وهو دليل على ما وصفه الرئيس الأمريكي جو بايدن الأسبوع الماضي بالإبادة الجماعية، في محاولة لمحو الهوية الوطنية الأوكرانية.
وتنفي روسيا استهداف المدنيين، وتقول إن الهدف من “عمليتها العسكرية الخاصة” هو نزع سلاح جارتها وهزيمة القوميين وحماية الانفصاليين في جنوب شرق أوكرانيا.
“ماريوبول كانت وستظل مدينة أوكرانية”
إذا سقطت ماريوبول ستكون الجائزة الكبرى لروسيا في الحرب حتى الآن. فالمدينة هي الميناء الرئيسي لمنطقة دونباس التي تتكون من إقليمين في جنوب شرق البلاد تطالب روسيا أوكرانيا بالتخلي عنهما بالكامل للانفصاليين.
وتعهد رينات أحمدوف، الذي يملك مصنعي الصلب، وهو أغنى رجل في أوكرانيا، بإعادة بناء المدينة. وقال لرويترز “ماريوبول كانت وستظل مدينة أوكرانية”.
وتقول أوكرانيا إنها أوقفت حتى الآن التقدم الروسي في أماكن أخرى في منطقتي دونباس ولوجانسك.
وفي بلدة ليسيتشانسك الواقعة على خط المواجهة والتابعة لمنطقة لوجانسك، فرّ مدنيون بحثاً عن الأمان من القذائف القادمة في ظل تصاعد كثيف للدخان من متاجر متفحمة وسيارات محترقة.
وصارت لأوكرانيا اليد العليا في المرحلة المبكرة من حرب توقع كثير من الخبراء العسكريين في الغرب أن تخسرها بسرعة. فقد نشرت واستخدمت بنجاح وحدات متحركة مسلحة بصواريخ مضادة للدبابات قدمها الغرب ضد قوافل المدرعات الروسية.
لكن بوتين يبدو مصراً على كسب المزيد من أرض دونباس، ليعلن النصر في الحرب التي تسببت في تعرض روسيا لمزيد من العقوبات الغربية وحرمانها من الكثير من الحلفاء.
وقال زيلينسكي لصحفيين أوكرانيين إن على العالم الاستعداد “بعدة طرق” لاحتمال استخدام روسيا أسلحة نووية. ولم يقدم أدلة على هذا التأكيد.
والشهر الماضي قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن روسيا لن تلجأ إلى الأسلحة النووية إلا في حالة وجود “تهديد لوجود” البلاد، وليس نتيجة للصراع في أوكرانيا.
وقال أحد مستشاري زيلينسكي إن البلاد بحاجة إلى إمداد أسرع بالأسلحة من شركائها في الاتحاد الأوروبي. وأضاف ميخائيلو بودولياك في تغريدة على تويتر “أوكرانيا بحاجة إلى أسلحة. ليس في غضون شهر (بل) الآن”.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إن أنظمتها المضادة للطائرات في منطقة أوديسا أسقطت طائرة نقل أوكرانية كانت تنقل أسلحة قدمتها حكومات غربية، دون أن تقدم أي دليل. ولم يصدر تعقيب حتى الآن من كييف.
وقال زيلينسكي إن عدداً يتراوح بين 2500 و3000 جندي أوكراني قُتلوا حتى الآن مقابل ما يصل إلى 20 ألف جندي روسي.
ولم تقدم موسكو أي بيانات جديدة عن ضحاياها منذ 25 مارس آذار، عندما أعلنت أن 1351 من جنودها قُتلوا. وتشير التقديرات الغربية للخسائر الروسية إلى أنها أضعاف ذلك.
وتقول أوكرانيا إن من المستحيل إحصاء القتلى المدنيين مضيفة أن التقديرات تشير إلى مقتل ما لا يقل عن 20 ألفاً في ماريوبول وحدها.
وإجمالاً نزح نحو ربع السكان عن ديارهم وتُقدر نسبة من غادروا البلاد إلى الخارج بعشرة في المئة من السكان.
(رويترز)