"رئيس الجمهورية هو حامي الدستور وهو الذي يجسد الدولة ويضمن، بوصفه حكما، السير المضطرد والمنتظم للسلطات العمومية. وهو الضامن للاستقلال الوطني ولحوزة الأراضي."
المادة 24 من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية
يأخذ " الحوار" طريقه إلى المشهد السياسي ويفرض آلياته المجحفة بموازين القوى الانتخابية في الديمقراطيات الغربية كلما تبلورت تهديدات لوئام المجتمع وكيان الدولة داخلية كانت أو خارجية.
في العالم العربي فرضت الطوائف والفصائل عنف " الحوار"، بعد استكمال "ربيع الفوضى الخلاقة" مهمة تفكيك الدول واغتيال سكينة الشعوب.
فرضت لغة السلاح عبر القارة الإفريقية " الحوار" في دول أنهكتها الحروب الأهلية منذ الاستقلال ليستوطن مظهر الخلاف على شكل أزمات وهزات عنيفة ودائمة أثناء وبعد كل موسم انتخابي.
في موريتانيا بادرت السلطة إلى توسيع " التشاور " لترسيم تهدئة المشهد والتعاطي مع الطيف السياسي، الذي عوض فراغ الخطاب وتعطل التنظير في دوائره، بتداعيات قاموس الإعلام الدولي في التعاطي مع أزمات دول العالم؛
يعتبر التشاور سلوكا ديمقراطيا يتيح انسيابية مشهد التعددية وترسيخ الثقافة التقدمية في القيم والأعراف السياسية في مجالات الانتخابات ومختلف الإصلاحات الإدارية؛ وتعزيز الجبهة الداخلية باتخاذ مواقف صريحة وشجاعة حول الهوية الحضارية للدولة إضافة إلى الخيارات السيادية ومحاربة الإرهاب، نبذ وإدانة خطاب العنف والدعوات العرقية الطائفية والعنصرية؛
استيفاء للدور التنموي للتشاور كمنبر للتبادل وإطار للتفكير بين الفاعلين الاقتصاديين وصناع القرار السياسي لإيجاد حلول مبتكرة للتحديات الاقتصادية للوباء والحرب في أوكرانيا، و على وجه الخصوص قضايا تتعلق بالأمن الغذائي والاستثمار في التكنولوجيا الرقمية، و تحديد استراتيجيات تدفع بعملية النمو من خلال تعبئة الاستثمار والنهوض بالقطاع الخاص إلى مستوى المشاركة الفعلية في عملية البناء الوطني والانسجام مع رؤية السلطة والاطلاع بدور رواد الأعمال كاملا في مرافقة ورشات الإنجاز و التحديث بتعبئة الموارد و النهوض بسوق التشغيل والواقع الاجتماعي بوطنية وإخلاص.
يبقى " الحوار السياسي " سلوكا غير مألوف في الحياة الديمقراطية و غالبا ما تأتي الدعوة إليه كملاذ حتمي لمواجهة أزمة وشيكة أو مؤكدة، خصوصا أن دساتير مختلف أشكال الحكم لم تفرد له نصوصا ولم تبوب حتى عليه، لأنه بكل بساطة يترتب بعد وضعية متأزمة تعصف بالمؤسسات وتعلق العمل بالدستور وتفرض انتقالا يعيد إلى حياة دستورية جديدة عبر حوار سياسي شامل.
في المقابل، يُمكن التشاور الدائم في الدول الحديثة العهد بالديمقراطية من ابتكار أساليب مدنية للتعامل مع التحديات السياسية التي تمكن إدارتها عبر الأداء الطبيعي والاعتيادي لمؤسسات الجمهورية.
في الديمقراطيات الغربية على غرار فرنسا، حيدت التعددية " الحوار" من قاموس الفرقاء وعطلت العمل به في الحياة السياسية ليأخذ شحنة جديدة في مجال العلاقات الدولية والتعاطي مع دول الجنوب الهشة لبناء السلام وتشييد أجهزة الدولة باعتباره الفضاء الرئيسي الذي يجمع بين الحكومات الغربية والشركاء في التنمية وبلدان الجنوب المتأثرة بالنزاعات العرقية والحروب الأهلية ومظاهر الاستبداد، عبر آليات الرعاية الإنسانية والمسائلة السياسية حول قضايا الأمن والتنمية والتحولات الديمقراطية. لم يعد العمل، حتى، وفق " التشاور" مستساغا إلا في حالة وجود حكومات الإئتلاف والتي تعتبر حالة نادرة.
في الساحل والصحراء أحالت القطيعة بين الشركاء السياسيين إلى ضرورة اللجوء إلى وسيط دولي لتسهيل "الحوار" والحد من خيارات العنف المترتبة عن سيادة خطاب الكراهية و القلق المتزايد من انعدام الثقة بين النخب المدنية والعسكرية وغياب رؤية توافقية للانتقال؛
تحت ضغط منظمة CEDEAO والمعارضة الراديكالية وبعد تأجيل الانتخابات العامة لأكثر من مرة رضخت الجارة الجنوبية لإملاءات تعديل قانون الانتخابات بعد نقاشات حادة بين الأغلبية والمعارضة و بعض ممثلي المجتمع المدني في شهر مايو من العام 2019 ، والذي اعتبرته المنظمة الجهوية "عقبة حقيقية أمام حرية وسرية ممارسة الحق في التصويت" مؤكدة أنه يشكل "انتهاكا خطيرا للحق في المشاركة في الانتخابات".
بعد التفاهم حول عقبة قانون الانتخابات في السنغال، التي تجاوزتها موريتانيا خلال المرحلة الانتقالية الأولى، لا زالت المعارضة متمسكة بضرورة تحييد ملف الانتخابات عن وصاية وزارة الداخلية، دون رد ولا حتى وعد بالنظر في الأمر.
وقد ترتب هذا الاتصال المباشر بين أقطاب الطيف السياسي بعد أزمة انتخابية أوشكت على تعطيل الحياة العامة وأودعت قادة مختلف فصائل المعارضة في السجون بعد منع بعضهم من المشاركة في الرئاسيات.
لازالت المعارضة في السنغال تصر على أن الأمر يتعلق بنوع من التلاعب بالرأي العام مكن السلطة المسؤولة عن "الممارسات الاستبدادية" من التقاط أنفاسها وتغطية "الهجمات المتكررة على الديمقراطية السنغالية والعبث بقواعد اللعبة السياسية و الانتهاكات المستمرة لحقوق
وحريات معارضي السلطة".
في موريتانيا: تتيح حياة المؤسسات والترسانة القانونية والإدارية الضامنة لممارسة فعلية لمختلف الحريات الفردية والجماعية ومكتسبات الشفافية في مجال الانتخابات؛ تتيح حيزا حاضنا للتحرك بالديمقراطية على سبيل الامتهان والترسيخ للمحافظة على تقدمنا المعترف به دوليا وريادتنا التعددية على مستوى محيطينا، شمالا وجنوبا.