كنت من أوائل المؤمنين بجدية مشروع الإصلاح الذي يقوده وزير التهذيب الوطني محمد ماء العينين ولد أييه، وقد تأكدت تلك القناعة وترسخت، بما صاحب مسيرة الرجل من إجراءات وقرارات، كان لها الأثر الكبير على النشاط والفاعلية التي يشهدها قطاع التعليم اليوم، والتي ننتظر أن نجني ثمارها في الأيام المقبلة، بإذن الله.
لقد تميزت المرحلة السابقة بجدية الوزير ووضوح رؤيته، وقدرته الكبيرة على تخطي الكثير من المحطات الصعبة في مشروع الإصلاح، وليس أدل على ذلك من إدارته للأيام التشاورية الخاصة بالتعليم، والتي جلس فيها كل الموريتانيين، وعبروا عن آرائهم، وتناولوا أكثر القضايا حساسية وخلافا، فأثبت الرجل قدرته على إدارة ذلك التنوع والتناقض أحيانا، حتى استطاع أن يخرج لنا بعصارة أفكار ناضجة، مثلتها مخرجات، رأى فيها كل أبناء البلد ذواتهم، ويأمل الجمع الآن أن تشكل بداية لرحلة جديدة، يأخذها قطاع التعليم في الاتجاه الصحيح.
إن إعادة الثقة في وزير التهذيب الوطني من جديد، وللمرة الثالثة في حكومات الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، مع تعزيز تلك الثقة اليوم بإسناد مهمة النطق الرسمي باسم الحكومة، لتؤكد أن تلك الإعادة وهذه الثقة كانتا أقوى وأرسخ هذه المرة من أي مرة سابقة؛ وهو ما يمنح الرجل المزيد من الحرية، لتجسيد كل تصوراته الإصلاحية على أرض الواقع.
ومع هذه الوضعية المهمة لا يمكن للوزير القديم الجديد، إلا أن يأخذ مزيدا من القرارات الجريئة، التي يتنظرها كل من يرى ذلك الترهل الذي تعيشه بعض القطاعات، داخل الجهاز الإدارى للوزارة، والتي يقودها بعض الذين ظلوا عاجزين عن مسايرة الإصلاح بوتيرة أسرع؛ مما يستوجب البدء في غربلة سريعة وشاملة لتلك القطاعات وأشخاصها، وإعادة ترتيبهم، بما يوائم المرحلة الجديدة، التي ينبغي أن تكون المحاسبة هي أبرز رسائلها الموجهة من قبل الوزير لكل من عجز عن القيام بمهته على الوجه المطلوب، خاصة بعد خطاب الرئيس، "من لا يستطيع أن يؤدي مهمته فليسقل، وليترك الفرصة لغيره".
إن وضع معايير مهنية، بعيدة كل البعد عن معايير النفوذ والوساطة، بل تقوم حصرا على أساس الكفاءة والثقة للترقية في القطاعات الإدارية، هي أهم الخطوات التي ننتظرها في مسار الإصلاح، خاصة في هذه المرحلة، لتضخ من خلالها دماء جديدة، تسير مع أصحاب الخبرة والكفاءة في جو يبعث الحيوية، ويحرك المياه الآسنة، ويقضي على الرتابة والجمود.
وأخذاً للعبرة من شواهد التجارب السابقة، فضلا عن اقتضاء المنطق المجرَّد لذلك، يتضح -بشكل لا موضع فيه للريب- أن السير نحو الغايات الإصلاحية الجادة، لا يمكن أن يحصل بالاعتماد على عجلات إدارية معطَّلة الحركة، أو معطِّلة لها.
إننا نعي صعوبة البنية الاجتماعية الموريتانية، ووقوفها ضد الإصلاح واقعا عمليا، مع المطالبة به ورفعه شعارا، وندرك قوة الضغط الذي تمارسه بعض الجماعات المتنفذة ضد المصلحين، وقد نتفهم الوقت الذي ينبغي لكل مسؤول جديد أن يأخذه، ليَعْجِم رجاله، ويستكشف مجال حركته؛ حتى يعرف أهل الصلابة من أهل الخَور، ومواطن السلامة من مكامن الخطر، وهكذا فإننا نقدر مدى الحذر الذي يتطلبه وضع أساس متين، والبناء في ظل عواصف الصحراء وزوابعها؛ إلا أننا ندرك أن المرحلة الفارقة في حياة كل مصلح، هي تلك القرارات الجريئة التي تُؤخذ في لحظة حاسمة من قوة الشرعية والمشروعية في وجه التحديات.
إننا اليوم أمام مرحلة حاسمة من مسار بناء الدولة، التي يحلم بها كل موريتاني، ذلك البناء الذي لا يمكن أن يتجسد إلا من خلال التعليم، والتعليم فقط، مرحلة تأتي بعد انتصاف مأمورية الرئيس الأولى، وبعد الشروع في تأسيس مشروع الإصلاح المنتظر للقطاع، والذي يكتسب اليوم مزيدا من الجدية والمصداقية، وذلك ما يتطلب الدخول في الخطوة الموالية، والتي سيكون لها أثر بالغ على سير وتيرة الإصلاح؛ وهي إعادة ترتيب وتنظيم الهيكل الإداري للوزارة بشخوصه ومنظومته بشكل يقلب الطاولة على جميع العجزة والعاجزين، من أجل تجسيد الحكامة الرشيدة، للوصول بقاطرة الإصلاح الى مبتغاها في الوقت المطلوب.