الخرطوم- «القدس العربي»: أحيا آلاف
السودانيين، أمس الإثنين، الذكرى الثالثة لإسقاط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير. ويأتي احتفالهم هذه المرة وهم في خضم معركة جديدة لاستعادة الانتقال الديمقراطي بعد استيلاء الجيش مرة أخرى على السلطة.
وفي فجر الحادي عشر من أبريل/ نيسان 2019، استيقظ السودانيون في المنازل والمعتصمون أمام مباني القيادة العامة للقوات المسلحة، بعد ليلة مليئة بالمخاطر، على صوت الموسيقى العسكرية، وإعلان عن بيان مرتقب للجيش السوداني.
وقبل إعلان البيان، الذي كان ينتظر أن يعلن خلاله الجيش الانحياز لمطالب الشارع، تدفقت الحشود في كل أنحاء البلاد، احتفالاً بزوال نظام الرئيس السابق عمر البشير بعد نحو 3 عقود من الحكم الشمولي.
ولكن سرعان ما انقلبت الاحتفالات إلى تظاهرات عارمة، عقب إعلان وزير الدفاع في حكومة البشير، عوض بن عوف، رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي. وخلال يوم واحد، أعلن بن عوف تنحيه ونائبه كمال عبد المعروف عن رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، لتؤول الرئاسة لاحقاً إلى عبد الفتاح البرهان الذي كان لا يعرفه أغلب السودانيين وقتها.
في الأثناء، بدأت تلوح بوادر تسوية يتشارك من خلالها المدنيون والعسكريون السلطة الانتقالية، كخطوة تمهيدية للانتقال للحكم المدني الديمقراطي، قبلها الشارع على مضض.
ونص الاتفاق الذي وقعه العسكريون والمدنيون، على فترة انتقالية مدتها 39 شهراً، يتولى رئاستها في النصف الأول الشق العسكري، ثم تنتقل السلطة للمدنيين، وصولاً لانتخابات تفضي إلى حكومة مدنية ديمقراطية. إلا أن العسكريين، وقبل أيام من موعد نقل السلطة للمدنيين، نفذوا انقلاباً عسكرياً في 25 من أكتوبر/تشرين الأول، أطاح بالشراكة الانتقالية، بينما وضع أعضاء المجلس السيادي المدنيين ورئيس الوزراء ومعظم وزراء حكومته من قوى الحرية والتغيير في المعتقلات والإقامة الجبرية.
ووجد الشارع نفسه أمام معركة جديدة، في ظل وضع بالغ التعقيد، حيث تعددت الجيوش وتضخمت قوات الدعم السريع لتصبح جيشاً موازياً للجيش الوطني، بينما توسعت سلطات القادة العشائريين، وبدأ الحزب الحاكم السابق يعود إلى المشهد، وتمضي ترتيبات لتكوين حكومة جديدة لتعزيز سلطة العسكر، في وقت شهد التحالف القوي الذي أسقط نظام البشير، بقيادة تجمع المهنيين، انقسامات عديدة رغم محاولات إعادة توحيده.
وفي ظل كل ذلك، يواصل الشارع السوداني التصعيد الرافض للانقلاب في مدن السودان المختلفة، في ظل قمع مفرط من القوات الأمنية، راح ضحيته 93 قتيلاً وحوالي 4000 جريح، عدد كبير بينهم أصيب بالرصاص.
وأمس الإثنين، شارك الآلاف من السودانيين في تظاهرات إحياء لذكرى سقوط البشير وللمطالبة بإسقاط حكم العسكر وانقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول. وخرجت أولى تظاهرات الذكرى الثالثة لسقوط نظام البشير في مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان، حيث توجه المحتجون نحو مباني أمانة حكومة الولاية، مرددين هتافات رافضة للانقلاب العسكري ومطالبة بإسقاطه وتسليم السلطة للمدنيين، وتحقيق العدالة للضحايا.
وفي مدينة عطبرة شمال السودان، توجه المتظاهرون نحو منزل مختار عبد الله الذي قتلته الأجهزة الأمنية خلال إطلاقها النار على المتظاهرين في الميدان الشرقي القريب من مباني جهاز الأمن، يوم سقوط نظام عمر البشير. وفي العاصمة الخرطوم، استبقت لجنة أمن الولاية التظاهرات بإغلاق عدد من الجسور، رغم إعلانها في بيان رسمي عشية التظاهرات أن جميع الجسور
ستكون مفتوحة، لكن فوجئ المواطنون بإغلاق جسر النيل الأبيض الذي يربط بين مدينتي أم درمان والخرطوم وجسر المك نمر الرابط بين مدينتي بحري والخرطوم، مما تسبب في اختناقات مرورية واسعة.
ورغم ذلك خرج الآلاف من المحتجين في مدن العاصمة الثلاثة -الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان – في الوقت المعلن للتظاهرات، وفق دعوات تنسيقيات لجان المقاومة، التي دعت لتظاهرات غير مركزية، تحت شعار: «صيام، قيام، إسقاط نظام».
وقالت تنسيقيات لجان مقاومة ولاية الخرطوم، في بيان أمس: «خرجنا أفواجاً هادرة اليوم، في ذكرى سقوط نظام الجبهة الإسلامية محملين بالعزيمة والشجاعة والصبر، في القُرى والأرياف والمدن وفي الأزقة والمنعطفات في السهول والهضاب والمنحدرات، لا شيء أعتى من ثورتنا ولا أتعس من أعدائها». وأضافت: «خرجت التظاهرات اليوم، تخليداً لذكرى الشهداء واستمراراً لرفض حكم الانقلابيين ومعاونيهم، وحفاظاً على جذوة الشارع متقدة حتى إسقاطهم وتسليم السلطة لحكومة مدنية ديمقراطية». وقالت تنسيقيات لجان مقاومة كرري بأم درمان: «نتذكر اليوم كل التضحيات التي قدمها شعبنا من أجل حريته ونعلم أنه مستعد لتقديم أكثر من ذلك ولن يتراجع خطوة للوراء». وأضافت: «لقد بلغ الضعف والتخبط داخل الانقلاب مبلغاً لا يستطيع أن يقف به على قدم أو أن يسير به للأمام، وبلغت ذروة التصعيد الثوري مبلغاً لا يمكن معه أن يتقهقر أو يندثر، بين وهن الانقلابيين وتصاعد التصعيد وما بين ذكرى الشهر الذي شهد سقوط الطاغية الأول بعد ثلاثين عاماً وسقوط الطاغية الثاني بعد أقل من ثلاثين ساعة سنناضل حتى يسقط الطاغية الثالث والطاغية نائبه الرابع».
وتابعت: «الشعوب لا تنسى نضالاتها وطريقها نحو الحرية مهما حاول الطغاة محوها، ونحن لن ننسى شهداءنا الذين تحلق أرواحهم حولنا وسنبقى على عهدهم حتى النصر». وأكملت: «قدم الشهداء الحد الأقصى من التضحيات ولن نرضى إلا بالحد الأقصى من التغيير، متسلحين بسلميتنا ووعي شعبنا في المجابهة والمحافظة على مكتسبات ومرامي ثورتنا».
إلى ذلك، استنكر تجمع المهنيين السودانيين خطوات قادة الانقلاب لتكوين حكومة جديدة. وقال في بيان أمس: «تشهد الساحة السودانية هذه الأيام مبادرات من الانقلابيين وحلفائهم ترفع شعارات المصلحة الوطنية، بينما المصلحة الوطنية الحقيقية هي التي اتفقت عليها جماهير شعبنا بهتافها وشعاراتها ولاءاتها الثلاثة: لا تفاوض لا شراكة لاشرعية مع الانقلابيين».
وأضاف: «الثورة ماضية ومشرقة بأبنائها وبناتها وستظل شعلتها حرةً لا تنطفئ، بالجد والاجتهاد والبسالة التي يسطرها الثوار والثائرات في كل مدن وقرى وأرياف السودان». وتابع: «مليونية الحادي عشر من أبريل هي درجٌ سامٍ نحو انتزاع السلطة المدنية الكاملة من خلال بناء تحالف ثوري عريض للقوى الحديثة المؤمنة بالتغيير الكامل لصالح شعبنا وليس لصالح المصالح الشخصية والحزبية والمناصب على دماء الشهداء».
وأكمل: «نشجع لجان المقاومة ودورها العظيم في بناء مواثيقها الثورية وسعيها الحثيث لتوحيدها في ميثاق شامل للشعب السوداني يكون هو «منفستو» المرحلة وبداية الانطلاق».
وأكد المهنيون إيمانهم بأن المضي في طريق الدولة المدنية هو الطريق لبناء مستقبل أفضل وأن الديمقراطية القادمة من خلال الفعل الثوري وقادرة على بناء تاريخ جديد للسودان قائم على الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة.