يبدو أنه لابد من كتابة مقال آخر كتكملة لمقالي السابق الذي نشرته يوم أمس عن فاجعة "ربينة العطاي". بدءا لابد من القول بأننا أمام أزمة في غاية التعقيد، وكل الخيارات المتاحة أمامنا كدولة وشعب وحكومة ليست بالخيارات السهلة.
ولتقريب الصورة أكثر، علينا أن نتوقف مع النقاط التالية:
1 ـ إن الرئيس الذي يقود النظام الحاكم حاليا في مالي هو ضابط شاب قاد انقلابين عسكريين متقاربين زمنيا؛
2 ـ إنه على استعداد لأن يواجه الجميع بعقلية الانقلابي المتهور الأحمق : دول الجوار؛ المنظمات الإقليمية؛ فرنسا..إلخ؛
3 ـ إنه لا يتصرف وفق مصلحته كرئيس، ولا وفق مصلحة بلده مالي، ولو كان يتصرف وفق تلك المصلحة لكان حريصا ـ أشد الحرص ـ على تقوية العلاقات مع موريتانيا (حكومة وشعبا)، خاصة وأن موريتانيا كانت قد رفضت أن تشارك في حصار وتجويع الشعب المالي، وعبرت عن استعدادها لأن تلعب دور الوسيط بين النظام القائم في مالي ومجموعة "الإيكواس"؛
4 ـ لا مشكلة لدى هذا الرئيس المتهور في أن يتحالف مع أسوأ الشركاء في العالم، وقد تحالف بالفعل مع المرتزقة الروس؛
5ـ ربما يكون هذا الانقلابي المتهور قد أصبح رهينة للروس وللمرتزقة الروس، ومن أصبح رهينة للروس يمكن أن يتوقع منه في مثل هذا الوقت أن يشعل حربا في غرب إفريقيا كما أشعلت الروس حربا في أوروبا؛
6 ـ ربما يكون هذا الانقلابي المتهور والأحمق هو من يقف بالفعل وراء المجازر المؤلمة التي ارتكبت في بلده ضد موريتانيين عزل، وربما تكون تلك العمليات من تدبير جهات في نظامه أو قوى خارجية تهدف إلى توتير الأجواء بين موريتانيا ومالي لتحقيق مصالح عسكرية أو اقتصادية أو سياسية..في كل الأحوال فإن الرئيس المالي يتحمل المسؤولية الكاملة في الحالتين، فهو إما أن يكون مسؤولا مباشرا عن هذه المجازر، وإما أن يكون مسؤولا عنها بشكل غير مباشر لرفضه للتعاون مع موريتانيا في هذا الملف، ولعدم قيامه بأي تحقيق جدي يؤدي إلى الوصول إلى المجرمين ومعاقبتهم من بعد ذلك بما يستحقون من عقاب.
هذه النقاط السابقة تبين لنا أننا أمام وضعية في غاية التعقيد، خاصة وأن البلد الذي يقوده هذا الانقلابي المتهور، والذي لم يعد يسيطر على معظم أراضيه، تجمعنا به حدود طويلة جدا تصل إلى 2237 كلم، تمر بست من ولاياتنا، ويجمعنا به الكثير من المصالح والتداخل بين الشعبين.
إن التصرف السليم أمام هذه هي الوضعية الصعبة يتطلب الأخذ بأمرين في غاية التناقض على الأقل ظاهريا :
أولهما : الرد بحزم وقوة على الجرائم المتكررة للجيش المالي، والتي وصلت إلى أبشع أنواع الاستفزاز في الفترة الأخيرة؛
ثانيهما : الوقوف بقوة ضد أي محاولة لتوتير الأجواء وإشعال حرب في المنطقة، والتي يبدو أن هناك من يدفع إليها هذا الانقلابي الأحمق والمتهور الذي يحكم مالي حاليا. وحتى إذا لم يكن هناك من يدفعه إليها، فأن غباءه وتهوره يدفعانه إليها.
إن الوضعية في غاية التعقيد وهي تحتاج للجمع بين الحكمة والحزم..لابد من الحكمة حتى لا ندخل في حرب مع انقلابي متهور، ولابد من الحزم حتى نؤدب هذا الانقلابي المتهور، فكيف نجمع بين الأمرين؟
ربما يكون استدعاء السفير الموريتاني في باماكو، وطرد السفير المالي في نواكشوط، وغلق الحدود أمام التبادل التجاري بين البلدين، والمساهمة مع الدول الأخرى في المنطقة في حصار مالي..ربما تكون تلك هي ردود الأفعال المناسبة في هذا الوقت، وربما تساهم ردود الأفعال تلك إلى تحرك العقلاء من الشعب والجيش الماليين لتخليص بلدهم من نظام متهور يتصرف ضد مصالح الشعب المالي والدولة المالية.
حفظ الله موريتانيا...