سمعتُ أن عمدة اركيز قرر أن يشيد شيئًا في المدينة، فأسعفته مخيلته بفكرة إبداعية، وهي أن يرص ستة "أطر" متفاوتة الأحجام، ويطليها باللونين الأبيض والأحمر، فكان ذلك أول نصب تذكاري في اركيز.
إنه نصب "الأطر" التذكاري!
ليسَت تلك أولى عجائب مدينة اركيز، فهي غريبة كجل المدن في هذه الأرض.
هل تعلم -عزيزي القارئ- أن اركيز لديها سكان يقيمون فيها يوميًا، يشبهون الغبار الذي يعيشون فيه، ولديها سكان آخرون افتراضيون، ينزلون من السماء، في أوقات محددة ومعلومة، يهبطون ومعهم رائحة الجنة والنعيم.
حين يهبطون يفرحُ بهم أولئك الذين يشبهون الغبار، لأنهم يحبون رائحة الجنة.
"الافتراضيون" لا يظهرون إلا لمامًا، حين يظهر مسؤول كبير أو تحين انتخابات، أو عندما توزع مساعدات، وربما حين تحل كارثة، وقد يسبقونها في كثير من الأحيان.
أنا من سكانها الافتراضيين، لذا سأعطيك بعض الخبر قبل أن أختفي!
فنحنُ حين نهبط لا نملك الكثير من الوقت، مستعجلون بطبعنا، فهذه الأرضُ السوداء المغبرة لا تليق بنا، وسكانها الذين يشبهون الغبار يثيرون الشفقة والاشمئزاز.
يسموننا "الأُطر"، وهو اسم يشبهنا كثيرًا، لأنه لا يعبر عن أي شيء، حيادي حد الاستفزاز، هلامي ولزج لدرجة تثير القشعريرة، ونحنُ كذلك، كائنات هلامية يصعبُ تحديدها بشكل واضح ومحدد، إننا ننزلق من بين الأصابع فلا يستطيع أحد الإمساك بنا.
تحيطُ بنا الأحاجي من كل جانب، ومن ذلك نستمد قوتنا.
قد تجدُ فينا شيخ قبيلة سقطت عمامته فأصبح سياسيًا كبيرًا، وبقايا معلم منسي يحلمُ بأن يكون شيئًا، ومزارعا تحول إلى راقص أوقات الحملات، وتاجر مواشٍ قرر في غفلة من الزمن أن يصبح مورد أجهزة إلكترونية.
وقد تجدُ أيضًا شابًا قرر أن يشيخ، وبقدرة قادرٍ احدودب ظهره، وبح صوته وتقشرت يداه من التصفيق.
وربما حين تدقق كثيرًا، تجد شاعرًا عجز منذ عقود عن الشعور بأي إحساس، ومع ذلك لم يجد من ينصحه بالصمت، أو صحفيًا تحاصره خيلاء الاطلاع على كل شيء، لأن أنفه يتقدم وجهه بعدة سنتيمترات، فيدسه في كل شيء.
ستجد الكثير من "الأطر" الذين لن تجد لهم أي إطار يناسبهم، إنهم "أطر" فحسبْ.
إنه ليس لغزًا، بل معجزة!
لذا فإن العمدة حين أقام "النصب" كان يخلد تلك المعجزة، فهو واحد من أهم هؤلاء "الأطر"، ويتصدر دومًا صفوف "الافتراضيين" حين يهبطون من السماء نحو الأرض، نحو أولئك الذين يشبهون الغبار.
ولكنهم اليوم تركوا لهم "نصبًا" يذكر بهم حين يغيبون.. حين يتبخرون!