إسطنبول-“القدس العربي”: منذ الإعلان قبل أيام عن رفع الولايات المتحدة الأمريكية دعمها السياسي والاقتصادي عن مشروع “إيست ميد” لنقل الغاز الإسرائيلي واليوناني من شرق البحر المتوسط إلى أوروبا، أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إشارات متلاحقة عن رغبة بلاده في تسريع خطوات تطبيع العلاقات مع إسرائيل من أجل الدخول في مباحثات بين أنقرة وتل أبيب على مشروع لنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية.
وعلى الرغم من أن العلاقات التركية الإسرائيلية دخلت فعلياً في مسار إعادة تطبيع العلاقات منذ أشهر عبر سلسلة اتصالات وتصريحات إيجابية بين البلدين، إلا أن الأيام الأخيرة تشهد حراكاً مكثفاً وخاصة من الجانب التركي من أجل تسريع هذا المسار للانتقال للحديث حول الملف الأهم الذي دفع أنقرة لمراجعة علاقاتها مع تل أبيب وهو إمكانية توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية والاتفاق على مشروع لنقل غاز شرق المتوسط إلى أوروبا عبر تركيا.
وفكرة إقامة خط لنقل الغاز الإسرائيلي لأوروبا عبر الأراضي التركية غير جديدة، وسبق أن جرت مفاوضات طويلة بين البلدين وكادا أن يتوصلا لاتفاق كبير في هذا الإطار، إلا أن تفجر العلاقات بين البلدين بسبب خلافات كبيرة حول الملف الفلسطيني وسياسات إسرائيل في المنطقة وخاصة شرق المتوسط أدى إلى تجميد المشروع قبل أن تتجه تل أبيب لبحث بديل من خلال التعاون مع اليونان وقبرص بدعم أمريكي وهو المشروع الذي أكدت أنقرة مراراً أنه لا يمكن أن ينجح بدونها وأنه عديم الجدوى اقتصادياً، ومع فشل هذا المشروع يتوقع أن تتجه تل أبيب لبحث فرص التعاون مع تركيا في ظل حاجتها الماسة لتصدير اكتشافاتها المتزايدة من الغاز.
وإلى جانب الاتصالات السياسية المعلنة، تحدثت مصادر إعلامية إسرائيلية وتركية متطابقة، عن اتصالات سرية تكثفت في الأشهر الأخيرة على مستوى الاستخبارات والدبلوماسية المنخفضة، كما أن السلطات التركية أفرجت مؤخراً عن إسرائيليين أوقفا في تركيا بشبهة التجسس وهو ما اعتبر بمثابة بادرة حسن نية قدمتها تركيا لإسرائيل على طريق ومسار تحسين العلاقات، كما أن أرقام التبادل التجاري بين البلدين لعام 2021 كشفت عن مؤشرات إيجابية اقتصادية صاعدة ما زال يحافظ عليها البلدين رغم الخلافات السياسية.
والثلاثاء، كشف أردوغان أن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ قد يجري زيارة إلى تركيا، وقال في مؤتمر صحافي مع نظيره الصربي في أنقرة: “هناك محادثات مع الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ ومن الممكن أن تكون له زيارة إلى تركيا”، لافتاً إلى احتمال التعاون مع إسرائيل شرقي المتوسط بالقول: “نهدف إلى إحراز تقدم عبر مقاربات إيجابية.. تركيا ستبذل ما بوسعها إذا كان هذا الأمر قائماً على أساس الربح المتبادل”.
وتعقيباً على وقف واشنطن دعمها لمشروع غاز شرق المتوسط، اعتبر أردوغان أن القرار الأمريكي جاء بعد أن رأت واشنطن عدم وجود فائدة له بعد تحليل التكلفة، لافتاً إلى أن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي السابق براءت ألبيرق، كان يجري محادثات مع إسرائيل، وكانت الأخيرة قد وصلت في هذه المحادثات إلى هدف معين يتمثل في نقل الغاز إلى أوروبا عبر تركيا، مضيفًا: “والآن يمكننا القيام بذلك عبر المفاوضات وحساب الفوائد للجانبين”، وتابع: “قبل كل شيء نحن سياسيون وكسياسيين فإننا مع السلام وليس الصراع، وإذا كان النفط وسيلة للسلام فإننا سنستخدمه، وإذا لم تكن أداة سلام، فإن القرار يعود بالطبع لكل بلد”.
ولفت أردوغان إلى الخطوات الإيجابية التي شهدتها العلاقات بين البلدين في الأشهر الأخيرة، منوهاً إلى الاتصالات التي تجري بينه وبين الرئيس الإسرائيلي، والتواصل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، واللقاء الأخيرة الذي جمعه (أردوغان) مع حاخامات يهود من تركيا والدول الإسلامية في أنقرة.
ونهاية العام الماضي، التقى أردوغان الجالية اليهودية في تركيا وأعضاء “تحالف الحاخامات في الدول الإسلامية”، بالقصر الرئاسي بالعاصمة أنقرة، مؤكداً على “الأهمية الحيوية” للعلاقات التركية الإسرائيلية في أمن واستقرار المنطقة، وذلك في تحرك اعتبر بمثابة خطوة جديدة على طريق إعادة تطبيع العلاقات بين تل أبيب وأنقرة التي غيرت من سياستها الخارجية وبدأت جهوداً واسعة لإنهاء الخلافات وإعادة تطبيع العلاقات مع دول المنطقة.
وفي كلمة له أمام الوفد اليهودي، قال أردوغان: “أي خطوات سيتم اتخاذها فيما يخص القضية الفلسطينية، لا سيما القدس، لن تسهم في أمن واستقرار الفلسطينيين فقط بل ستشمل إسرائيل أيضا لذلك أولي أهمية لحوارنا الذي تم إحياؤه مجددا سواء مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ أو رئيس الوزراء نفتالي بينيت”، كما لفت إلى “الأهمية الحيوية للعلاقات التركية الإسرائيلية في أمن واستقرار المنطقة”، مذكراً بان “العلاقات بين البلدين تتقدم في المجالات الاقتصادية والتجارية والسياحية ضمن مسارها، رغم اختلاف الرأي حول القضية الفلسطينية”.
وتصاعدت الخلافات بين تركيا وإسرائيل على خلفية اقتحام الجيش الإسرائيلي سفينة المساعدات التركية إلى غزة “مافي مرمرة” وقتل وإصابة عشرات المواطنين الأتراك، إلى جانب الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني حيث هاجم أردوغان إسرائيل مراراً واصفاً إياها بـ”دولة إرهاب تقتل الأطفال” كما جرى طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة واستدعاء السفير التركي من تل أبيب، فيما أعلنت أنقرة مؤخراً عن ضبط شبكات تجسس تعمل لصالح الموساد الإسرائيلي.
وزادت الخلافات مؤخراً مع الاصطفاف الإسرائيلي إلى جانب اليونان في الخلاف على التنقيب في شرق البحر المتوسط، ويعتقد أن أبرز دوافع التحرك التركي لإعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل ودول أخرى إعادة رسم خريطة التحالفات حول أزمة شرق المتوسط التي باتت تمثل أولوية استراتيجية كبيرة لتركيا التي تسعى إلى الاستفادة من ثروات شرق المتوسط وتفكيك تحالف شرق المتوسط الذي تقول إنه يهدف إلى عزلها وتهمشيها.