الرباط ـ «القدس العربي»: مع استمرار إغلاق الحدود الجوية والبحرية بين المغرب وباقي بلدان العالم، حتى نهاية الشهر الجاري، كإجراء احترازي مع تنامي الإصابات بمتحور “أوميكرون”، تتضاعف معاناة الكثير من المواطنين المغاربة، سواء تعلق الأمر بمواصلة التعليم خارج البلاد، أو بمتطلبات العلاج، فضلاً عن الأضرار الكثيرة على الاقتصاد والسياحة وصلة الرحم بين المغتربين المغاربة وعائلاتهم.
وكان لافتاً للانتباه أن عضواً في اللجنة العلمية المختصة بمتتبع الحالة الوبائية في المغرب دعا إلى إعادة فتح الحدود ورفع القيود عن السفر، بينما يتمسك وزير الصحة بموقفه الرافض لهذا الإجراء، محذراً من انعكاساته الصحية.
وطالب حزب “التقدم والاشتراكية” المعارض بإعادة المغاربة العالقين في الدول الأجنبية الذين تستمر محنتهم بعد إغلاق الحدود لفترة طويلة. ووجه فريق الحزب نفسه في مجلس النواب سؤالاً خطياً بهذا الخصوص إلى وزير الخارجية، ناصر بوريطة. لكن، بدون نتيجة إيجابية تلوح في الأفق لهذا الملف، لذلك اقترح رئيس الفريق، رشيد حموني، طرح الموضوع في اجتماع للجنة الخارجية.
وكتب الخبير الصحي البروفيسور عز الدين إبراهيمي تدوينة على “فيسبوك”، آملاً أن يؤخذ رأيه الحالي بعين الاعتبار من طرف السلطات المختصة، حيث أفصح أنه منذ أيام وهو يناقش مع الكثيرين موضوع فتح الحدود المغربية، ويحاول أن يجد سبباً مقنعاً للاستمرار في غلقها، فلم يجده.
وذكر بأن المغرب ما زال يمر بموجة “أوميكرون” العاتية. وأضاف قائلاً: “نظراً لخصوصياتها، وجب علينا التوقف عن التفكير في عدد حالات الإصابات، ونركز على خطورة المرض عندنا ومؤشراته، والتأكد من أننا نراقب الأعراض وليس الإصابات”.
وأكد أن “التعايش مع الفيروس صار مقاربة دولية، ونتذكر أننا وبقرار جماعي قبلنا هذه الاستراتيجية في مدارسنا وأماكن عملنا ومقاهينا والشارع والمنزل… وبما أن العالم يتعايش ونحن نتعايش مع الفيروس… فلسان حال المغاربة اليوم يتساءل: ألم يحن بعد وقت فتح الوطن وحدود وأجواء البلد؟”.
وأشار إلى أن السبب وراء الإغلاق لم يكن أبداً منع الفيروس المتحور من الوصول للمغرب، “فكلنا نعرف بأن الفيروسات وكورونا لا تعترف بالحدود، لكن الهدف من الإغلاق ـ يوضح البروفيسور إبراهيمي ـ استباقي، بهدف إبطاء وصول سلالة أوميكرون للمغرب حتى نتمكن من معرفة كل خاصياتها والاستعداد لمواجهتها… ولم يكن أبداً الإغلاق لتفادي موجة أوميكرون لأننا كنا نعرف مسبقاً أن المغرب لن يكون استثناء، وأنه لا يعيش بمعزل عن العالم، بل كان الهدف ربح الوقت للتعرف على هذا الوافد الجديد وديناميكية الموجة التي يخلفها”.
وأردف الخبير المغربي قائلاً: “كل الهيئات الصحية الدولية توصي بفتح الحدود ورفع قيود السفر عندما يكون الإبقاء عليها لا يؤثر على ارتفاع عدد الإصابات في البلاد ولا انتقال العدوى على نطاق أوسع وكذلك بانعدام خطر نقل سلالة جديدة من بلد معين… واليوم والعالم يعيش تسونامي أوميكرون بنسب تقارب المئة في المئة، وبالنظر للانتشار الواسع للفيروس في ظل هذه الظروف، فإن دخول وافدين بالشروط الصحية المعمول بها سابقاً في المغرب لم يعد يشكل خطراً وبائياً أكبر مما هو عليه الوضع”.
ودعا إلى “فتح الحدود بما يتماشى مع المقاربة المغربية الناجحة والاستباقية أجل حماية صحة المواطنين، لكن بأقل ما يمكن من الأضرار الاجتماعية والنفسية والتربوية والاقتصادية”.
وقال إبراهيمي: “كلما زرت مراكش هذه الأيام، إلا وعُدت بهذا السؤال الوجودي… هل يمكن أن نكون في صحة جيدة دون رغيف خبز؟ أليست الكرامة مبنية على سلامة البدن المقرونة بعمل يضمن القوت اليومي؟ أظن أن أي قرار يجب أن يوازن بين الضرر والمنفعة المترتبة عنه ومن كل الزوايا. أظن أنه حان الوقت لتمكين فئات عريضة من المواطنين المغاربة للعودة لحياة طبيعية. ومرة أخرى يتم التعايش مع هذا الفيروس. نعم، فالإغلاق الأخير كان ضربة بالنسبة لسياحتنا، بينما استفادت منه دول أخرى ظلت حدودها مفتوحة مثل مصر أو تركيا والإمارات. نعم، السياح القادمون والذين تتوفر فيهم الشروط الصحية لا يشكلون أي خطر على حالتنا الوبائية، ويسمحون لسياحتنا بالخروج من قسم الإنعاش.
واستطرد قائلاً: “هنا كذلك، لا يمكنني ألاّ أترافع عن هذا العدد الهائل من المغاربة العالقين أو المشتاقين للمغرب في غربتهم. كثير من القصص التي أتلقاها تحز في القلب. كيف يمكنني ألاّ أتعاطف مع وأترافع عن مغاربة العالم ومجيئهم لبلدهم لا يشكل أي خطر على وضعيتنا الصحية. كيف لي أن أتناسى العالقين، وهم في بلدان متعددة حول العالم.
وشدد على أن الإغلاق لا يرصد أي مكتسبات، لا من الناحية الصحية ولا الوبائية ولا الاقتصادية ولا الاجتماعية، ولا يلمع سمعة المغرب ولا يعطي مصداقية أكبر لقراراته، والإغلاق كذلك لا يحمينا من أية انتكاسة. نعم، كل الوافدين علينا وبشروطنا الصحية غير مسؤولين عن أي انتكاسة مستقبلية”.
أما وزير الصحة المغربي، خالد أيت الطالب، فلا يميل إلى هذا الطرح، حيث يعتبر أن الظرف الراهن لا يسمح بذلك. فبعد الدعوة إلى إعادة فتح الحدود، قال إن التفكير في ذلك خلال الظرف الراهن الذي يشهد ارتفاعاً في عدد الإصابات في المغرب بالمتحور “أوميكرون” سابق لأوانه.
وأضاف، في حوار مع أسبوعية “جون أفريك”، إنه حتى الآن، لا أحد يستطيع أن يقول ما إذا كانت ستتم إعادة فتح الحدود المقرر في 31 كانون الثاني/ يناير الجاري، أم لا، مضيفاً أن إدارة وتدبير هذا الموضوع تتم على أساس يومي.
وتابع المتحدث ذاته: “لدينا مؤشرات، ونحن نتبعها، ومن المتوقع أن تصل ذروة الموجة القادمة من كورونا إلى نهاية الشهر الحالي وقتها، سنقرر”، مشدداً على أن المغرب نهج توجهاً استراتيجياً صحيحاً منذ البداية في ما يخص التعامل مع جائحة كورونا، ببدئه عملية التطعيم مبكراً، ودخوله نادي البلدان الأولى الموقعة على العديد من اتفاقيات الشراكة للحصول على اللقاحات.