تونس – «القدس العربي»: بعد أشهر من الجفاء السياسي، استقبل الرئيس قيس سعيد الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، في خطوة اعتبر مراقبون أنها محاولة لكسر “العزلة السياسية” التي يعاني منها سعيد في ظل تصاعد منسوب الرفض لتدابيره الاستثنائية.
واستنكرت منظمات إعلامية وحقوقية “القمع البوليسي” للتظاهرات الأخيرة في العاصمة، فيما طالب الاتحاد الأوروبي بعودة الإطار الدستوري واستئناف النشاط البرلماني في البلاد.
وخلال اللقاء الذي جمع بين الرجلين مساء السبت، نفى سعيد “وجود جفاء بين رئاسة الجمهورية والاتحاد العام التونسي، مذّكراً بأنّ اللقاءات مستمرة بين الطرفين سواء كانت بصفة مباشرة أو عن طريق الهاتف”، وفق الرئاسية التونسية.
كما أكد أهمية الدور الذي يؤديه اتحاد الشغل، فـ”نحن نعرف مكانة اتحاد الشغل ودوره الذي لا يقتصر على الجانب النقابي”، مضيفاً: “كنّا نتهاتف، دون أن يعلم الكثيرون، لتبادل الآراء حول جملة من الاختيارات”.
وقال الطبوبي إنّه تمّ التأكيد خلال هذا اللقاء أنّ “هذه المرحلة لا يمكن أن تبنى إلا في إطار التضامن الوطني الحقيقي، كما أنّ الوضع الراهن يتطلب الكثير من الحكمة والهدوء”، مضيفا: “معركتنا اليوم هي اقتصادية واجتماعية وكذلك سياسية، والفترة المقبلة تتطلّب من جميع الأطراف الوعي الحقيقي”.
كما شدّد على عدم المساس بحرية التعبير، والعمل على ضمان الحق التظاهر السلمي والمدني.
وقال الأمين العام المساعد للاتحاد، سامي الطاهري، إن الحوار بين سعيد والطبوبي “كان مطوّلاً وصريحاً، وتمّ التطرق خلاله إلى عدد من الجوانب التي تتعلق بالوضع السياسي والتوتر الحاصل على الصعيد الاجتماعي والظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد”.
وأصدرت 21 منظمة إعلامية وحقوقية، بينها نقابة الصحافيين ومنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومحامون بلا حدود، بياناً مشتركاً عبرت فيه عن “سخطها من نهج القمع البوليسي الذي استهدف المتظاهرين، الجمعة، بما يشكل وصمة عار في ذكرى الثورة، ويؤشر لسعي السلطة للتحكم في تونس بآليات غير ديمقراطية ومدنية، لن يؤدي إلا إلى تغذية الغضب تجاه المؤسسة الأمنية، وإلى تعميق الأزمة بين المواطنين والدولة، كما حملت كلاً من رئيس الجمهورية ووزير الداخلية مسؤولية ذلك”.
وأعربت عن “تضامنها مع كل المواطنين الذين حرموا من حقهم الدستوري في التظاهر وتعرضوا إلى أشكال متخلفة وهمجية من القمع، بمن فيهم صحافيات وصحافيون لم يفعلوا غير ممارسة عملهم في التغطية والأخبار. وتؤكد دعمها المطلق لكل أشكال التظاهر والاحتجاج والتجمع والتعبير، التي تعتبرها أحد أهم مكاسب الثورة، وستبقى آليات ضغط مستمرة ومؤثرة على منظومة الحكم من أجل مراجعة سياسات التنمية ومقاومة الفساد والإرهاب وكل مقومات الاستبداد واحترام الحقوق والحريات”.
كما استنكرت الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب “الإفراط في استخدام القوّة (من قبل قوات الأمن التونسية) ضدّ المتظاهرين، والإمعان في إهانة وتعنيف من تمّ إيقافهم حتّى بعد السّيطرة عليهم وتقييد حركتهم، واستخدام القنابل المسيلة للدّموع والمفرقعات الصّوتيّة وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين، والاعتداء اللّفظي والبدني على العديد من المواطنين والإعلاميّين والحقوقيّين”.
وانتقدت أيضاً “اختراق صفوف المتظاهرين بواسطة الدرّاجات الناريّة والسيّارات الأمنيّة، ممّا أسفر عن بعض الإصابات التي استدعت تدخل الحماية المدنيّة، والتضييق من قبل بعض الأمنيّين غير المؤطرين على أعضاء الهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب أثناء أدائهم لواجبهم المهني، رغم حملهم الشارات المهنيّة وارتدائهم صدريّات مميّزة وظاهرة للعيان، وتأخير السّماح للمحامين بالدّخول إلى المقرّات الأمنيّة لحضور عمليّة بحث منوّبيهم”.
ودعت السلطات القضائية إلى “تحمل مسؤولياتها وفتح تحقيق في الممارسات الأمنية التعسفية التي طالت مئات التونسيين والتونسيات، مما ألحق أضراراً بدنية ونفسية بالغة بالعشرات منهم، من أجل تطبيق القانون ووضع حد لإفلات الجناة من العقاب مثلما تعودوا على ذلك طوال عقود”.
وكتب أحمد نجيب الشابي رئيس الهيئة السياسية لحزب الأمل: “في الذكرى الحادية عشرة لانتصار الثورة، أحاطت قوة أمنية من مختلف الأسلحة بشارع بورقيبة للحيلولة دون التونسيين والاحتفال بذكراها. ظل شارع بورقيبة مقفراً، وشهدت أطرافه مشادات بين قوات الأمن والمتظاهرين. إنه لمشهد حزين، وكأن عقارب الساعة تعود إحدى عشرة سنة إلى الوراء”.
وأضاف، على صفحته في موقع فيسبوك: “الحرية تغتال في تونس: اختطافات، قرارات اعتباطية بالإقامة الجبرية والمنع من السفر، محاكمات جائرة، محاولات يائسة لوضع اليد على القضاء والإعلام وعلى الإدارة. واليوم جاء الدور على حرية التظاهر السلمي”.
وتابع بقوله: “شكلت أحداث هذا اليوم (الجمعة) منعطفاً أسقط التحفظ عن الطابع الحزبي للتحركات الاحتجاجية وقذف إلى الواجهة برهاناً وطنياً أرقى: إما الحرية أو الاستعباد، إما الديمقراطية أو الاستبداد، إما الإنقاذ أو الدمار والخراب، وإما استرجاع شارع بورقيبة أو التفريط فيه. وفي هذه المعركة لا مجال للحياد أو للجلوس على الربوة”.
ودعا عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي، بينهم فابيو ماسيمو كاستالدو (نائب رئيس البرلمان) ومايكل غاهلر عضو التجمع الأكبر في البرلمان، للعودة إلى الإطار الدستوري واستئناف النشاط البرلماني في البلاد. وقالوا في بين أصدروه الجمعة: ”إن التقدم الكبير الذي تم إحرازه، تهدده العديد من الصعوبات التي تواجه البلاد وشعبها. وإن الحفاظ على الديمقراطية واستقرار البلاد والاستماع إلى رغبات وتطلعات الشعب التونسي تعّد من الأولويات المطلقة”.
وأضاف البيان: “كشريك وثيق ومروج لتونس الديمقراطية، سيكون الاتحاد الأوروبي إلى جانب الدولة لمساعدتها على الخروج من هذا المأزق المؤسسي”.
ودعا أعضاء البرلمان الأوروبي إلى ”العودة للاستقرار المؤسسي والإطار
الدستوري في أقرب وقت ممكن، فضلاً عن استئناف النشاط البرلماني واحترام الحقوق الأساسية، من خلال اللجوء إلى الحوار الذي يجب أن يشمل ممثلي الشعب المنتخبين ديمقراطياً، وكذلك المجتمع المدني”.