غزة- “القدس العربي”: علمت “القدس العربي” من مصادر فلسطينية مطلعة، أن الجزائر بدلت نمط الدعوة الموجهة للفصائل الفلسطينية، للحضور من أجل مناقشة ملف المصالحة، من خلال العودة إلى “نقطة الصفر”، وعدم البناء على التوافقات السابقة التي حدثت بين فتح وحماس، وإجراء “حوارات منفردة” بدلا من الحوار الشامل، بسبب الخشية من أن يسجل عليها الفشل في رأب الصدع الفلسطيني، في أول محاولة لها منذ بداية الانقسام الفلسطيني.
الخلاف يبدل الدعوة
وحسب مسؤول فلسطيني، يشارك فصيله في الحوارات التمهيدية التي دعت لها الجزائر، فقد أكد لـ”القدس العربي” أن الوقاع على الأرض، التي تظهر الخلاف الكبير في المواقف بين حركتي فتح وحماس، بشكل أساس، تجاه تجاوز نقاط الخلاف الخاصة بملف المصالحة، هو ما دفع الجزائر لإرسال دعوات “منفردة” للقاء الفصائل، بدلا من المؤتمر العام الذي خطط له، خشية من تسجيل الفشل.
ويوضح أنه كان من المفترض حسب فهم صيغة الدعوة السابقة، أن تكون هناك دعوة شاملة للفصائل التي وقعت على اتفاق القاهرة للمصالحة الذي وقع في مايو من العام 2011، قبل أن يجري تعديل الدعوة، من خلال الشروع بحوارات استكشافية، مشيرا إلى أن حجم الخلافات التي تفجرت مؤخرا بين فتح وحماس، كبيرة جدا، وتهدد بنسف أي حوار سواء شامل أو ثنائي.
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أعلن في 6 ديسمبر الماضي، خلال استضافته الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الجزائر العاصمة، اعتزام بلاده استضافة مؤتمر جامع للفصائل الفلسطينية، حيث قوبلت دعوته بترجيب من جميع الفصائل الفلسطينية.
ومن المقرر بعد أن تنتهي اللقاءات الاستكشافية، بعد أن يستمع مسؤولو الجزائر إلى كل فصيل فلسطيني على حدة، ومعرفة وجهة نظره حيال حل الخلاف وإنهاء الانقسام، لتحدد بعد ذلك الخطوة التالية في ضوء النتائج التي ستظهر أمامهم. وعلمت “القدس العربي” أن استمرار الخلاف وعدم القدرة على جسر الهوة بين فتح وحماس، سيدفع بالجزائر للاكتفاء بهذه الاجتماعات، وعدم الدعوة لاجتماع موسع.
ويؤكد هذا الأمر عدم شمول الدعوة التي وجهت لبعض الفصائل، للمشاركة في الحوارات الاستكشافية، على موعد الجلسة الشاملة للحوار، ما يضع شكوك في إمكانية عقدها قريبا.
ويبدو أن الجزائر هنا التي لا تريد أن يسجل عليها الفشل، تقرأ جيدا المرحلة التي سبقت حوار الفصائل في العام 2019، في العاصمة الروسية موسكو، والتي فشلت وقتها الفصائل في التوصل إلى بيان مشترك في نهاية اجتماعاتها هناك، حيث كانت وقتها الظروف القائمة بين فتح وحماس مشابهة لما عليه الآن، وربما الآن أكثر خلافا.
وصول الفصائل
ومن المقرر أن تصل ستة فصائل فلسطينية إلى الجزائر العاصمة تباعا حتى نهاية الشهر الجاري، وهي فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية، والجبهة الشعبية القيادة العامة.
ولم تدعى حتى اللحظة باقي فصائل منظمة التحرير التي وقعت على اتفاق القاهرة من قبل حتى اللحظة، وسط ترجيحات أن يتم دعوتها لاحقا حين يعقد اللقاء الشامل، حال قررت الجزائر بعد اللقاءات المنفردة المضي باتجاه هذا الخيار.
وسيبدأ الحوار الجزائري باستضافة وفود من فتح وحماس بشكل منفرد، حيث وصل وفد فتح المكون من عزام الأحمد ودلال سلامة ومحمد المدني، والسفير الفلسطيني في الجزائر فايز أبو عيطة، السبت وعقد أول لقاءاته مع المسؤولين هناك مساء ذلك اليوم، فيما شكلت حماس وفدها من خليل الحية رئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية وحسام بدران مسؤول ملف العلاقات الوطنية، الذي سيصل هذا الأسبوع، بناء على ما أعلنت حركة حماس في بيان رسمي، على أن يتبعهم وفود الجبهتين الشعبية والديمقراطية والقيادة العامة وحركة الجهاد الإسلامي.
وقد وصلت دعوة الجزائر إلى حركة حماس عبر سفارتها في الدوحة، فيما أوصت الدعوة لفصائل المنظمة في الخارج وحركة الجهاد عبر سفارتها في دمشق.
وستعمل الجزائر البعيدة جغرافيا عن فلسطين، على عكس مصر دولة الجوار، والتي تملك علاقات واتصالات مع جميع الأطراف، على استغلال علاقاتها الجيدة بالكل الفلسطيني، خاصة وأنها استضافت سابقا فصائل المنظمة على أرضها وعلى رأسها حركة فتح، كما أن لها علاقات مع حركة حماس، لجهة التأثير على جميع الأطراف من أجل تجاوز الخلافات.
وسط الخشية من الفشل وتكرار تجرية روسيا وأخذها العبرة من تجارب مصر
وفي خبايا الخلاف، يتضح أن من بين أساساته حاليا، عدم وجود تقارب في الأفكار بين فتح وحماس، حول المرحلة التي تتبع التوافق الكلي على إنهاء الانقسام، سواء بتطبيق بنود اتفاق القاهرة الشامل الذي وقع في مايو 2011، ويضع حلولا لجميع ملفات الخلاف بين الطرفين، بما فيها الخلافات الفنية، أو بالتوصل إلى حل آخر يستند إلى إجراء الانتخابات العامة أولا قبل الذهاب لإنهاء الانقسام تكون نتائجه هي الفيصل في الحل.
ويعد من بين أسباب الخلاف الكبير حاليا، عدم موافقة حركة حماس على طلب الرئيس محمود عباس، المشاركة في حكومة وحدة وطنية تعترف بالقرارات الدولية والاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير سابقا، والتي تشمل الاتفاقيات مع إسرائيل.
أسباب الخلاف
وكان الرئيس عباس جدد شروطه لانهاء الانقسام بالقول “إننا نسعى لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية، في اللحظة التي تعترف فيها حركة حماس بالشرعية الدولية وتلتزم بالاتفاقيات الموقعة”، فيما كرر مؤخرا قادة حماس أكثر من مرة رفضهم لهذه الفكرة.
وكان الخلاف بين فتح وحماس، تعزز وعاد للمربع الأول بعد قرار القيادة الفلسطينية في أبريل الماضي، تأجيل الانتخابات البرلمانية المقررة، لعدم الحصول على موافقة إسرائيلية بإجرائها في القدس المحتلة، وهو أمر رفضته حركة حماس، وهاجمت وقتها بشدة حركة فتح والقيادة الفلسطينية، بعد أن كان هناك توافق ميداني حول الصراع مع الاحتلال ومواجهة خطط أمريكا والتطبيع العربي، والذي تكلل بسلسلة اجتماعات إيجابية عقدت في إسطنبول والقاهرة.
وتصاعد هذا الخلاف بشكل كبير، قبل أيام قليلة، من خلال تصريحات لقادة كبار من الحركتين، وذلك خلال جولة وفد حركة فتح في كل من سوريا ولبنان، للقاء قيادات الفصائل (دون حماس)، في إطار تحركات القيادة الفلسطينية لعقد جلسة جديدة للمجلس الوطني، لاتخاذ “قرارات مصيرية” تحدد طبيعة الصراع مع الاحتلال.
وفي هذا السياق كان حسام بدران، عضو المكتب السياسي لحماس، قال في تصريحات نقلها موقع الحركة “الرئيس عباس هرب من الانتخابات لأنه يعلم أنه سيخسرها في ظل عزلة السلطة عن شعبها، وموقفنا في حماس موحد أننا حريصون على الوصول لوحدة فلسطينية حقيقية”، واتهم قيادة السلطة الفلسطينية بأنها تصر على “إفشال كل مشاريع الوحدة”، وقال “المشكلة الأساس في عباس وفريقه الذي يضع اشتراطات تعجيزية غير مقبولة، هم يريدون من حماس الاعتراف بإسرائيل، والوقوع بما وقعت به منظمة التحرير، وهذا مرفوض”.
ورأى أن فكرة عقد المجلس المركزي وهذه المجالس التي وصفها بـ”المتهالكة” تمثل “استحضار لأجسام لمحاولة إبقاء السيطرة على القرار الفلسطيني”، وأضاف “لن نعطي غطاء لقيادة السلطة لتشويه الأمور، شعبنا هو صاحب الحق الأصلي والوحيد لاختيار قيادته”.
في المقابل وجه جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح انتقادات لحركة حماس، وقال “الإخوان في حماس لا يوجد لديهم موقف واضح لجهة المضي نحو الشراكة الوطنية”، ودعا حماس إلى “عقد حكومة وحدة وطنية ذات سقف سياسي له علاقة بالشرعية الدولية”، وأضاف “لم أسمع يوماً من خالد مشعل كلمة تدعو للحوار أو تدعمه”.
يشار إلى أن مصر الراعي الأساس للمصالحة، عملت مؤخرا على طرح الملف خلال زيارات وفود فلسطينية للقاهرة، وكذلك حين أرسلت وفودا أمنية زارت كل من رام الله وغزة، لكن لم تظهر أي نتائج على الأرض، بما يؤكد صعوبة اختراق المواقف بين الطرفين في الوقت الراهن وحلحلة ملفات الانقسام، الذي تعزز بعد قرار القيادة الفلسطينية في نهاية أبريل الماضي، بتأجيل عقد الانتخابات البرلمانية التي خطط لها أن تعقد في مايو 2021، على أن تتلوها في يوليو الانتخابات الرئاسية ومن ثم انتخابات المجلس الوطني، ويبدو أن هذا الأمر هو ما أدى لإلغاء عقد اجتماع موسع للفصائل في القاهرة، كان هناك حديث على عقده صيف العام الماضي.