لندن-“القدس العربي”: نشر موقع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية مقالا للزميل البارز فيه أنتوني دوكين حول التحول السياسي في تونس، وقال فيه إن شركاء تونس ردوا بلطف على إعلان الرئيس التونسي بشأن الإصلاحات الدستورية وهناك مخاطر بالسماح له بتقوية موقعه في السلطة ولسنوات قادمة.
دعوات في الداخل والخارج طالبت الرئيس قيس سعيد ومنذ تعليقه البرلمان وحله الحكومة في تموز/يوليو 2021 بتقديم خطة طريق تقود إلى عودة البلاد للمحاسبة الديمقراطية.
وقال إن دعوات في الداخل والخارج طالبت الرئيس قيس سعيد ومنذ تعليقه البرلمان وحله الحكومة في تموز/يوليو 2021 بتقديم خطة طريق تقود إلى عودة البلاد للمحاسبة الديمقراطية.
وفي كانون الأول/ديسمبر بدا الرئيس وكأنه يستجيب لهذه المطالب عندما أعلن عن جدول زمني يقود للانتخابات البرلمانية بنهاية العام الحالي. ورحبت الولايات المتحدة بالقرار فيما قابلتها إيطاليا بنوع من الحذر، ويجب أن لا ينبغي الخلط بين إعلانه والعودة إلى المعايير الديمقراطية. وعوضا عن ذلك فهي ستترك الرئيس سعيد بسلطة مطلقة ولعام وبسيطرة كاملة على العملية حيث يتم خلالها إعادة كتاب قواعد اللعبة السياسية في تونس.
وبرر سعيد إجراءاته في الصيف الماضي بأنها محاولة لإنقاذ اقتصاد تونس ومعالجة الأزمة الصحية الناجمة عن النظام السياسي العقيم في مرحلة ما بعد الثورة. فمنذ الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي في عام 2011 ظل ينظر إلى تونس بأنها منارة الديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولكنها عانت في الوقت نفسه من ركود اقتصادي وزيادة في معدلات البطالة في وقت كافحت فيه الحكومات المتعاقبة لمعالجة مشاكل البلاد. وفي الفترة الأخيرة عانت البلاد من وفيات جراء كوفيد-19 أكثر من جاراتها، في وقت بدت فيه الحكومة غير قادرة على تقديم حل فعال للأزمة. ولهذا السبب حصلت إجراءات سعيد ضد البرلمان على دعم واسع رغم أن من الصعب اعتبارها دستورية وتتوافق مع دستور عام 2014. ورغم تقديم الإجراءات بصورة المؤقتة إلا أنه بدا واضحا بعد فترة قصيرة أنها بداية نظام جديد قد يمتد لفترة غير محدودة. ففي أيلول/سبتمبر منح سعيد نفسه الحق لكي يحكم عبر المراسيم ووضع جانبا البنود في الدستور التي تتضارب مع الإجراءات التي اتخذها.
نظرا لفشل الطبقة السياسية وبطريقة غير مسؤولة للتوافق على إنشاء محكمة دستورية، فإن كل السلطات وقعت وبشكل فعلي في يد سعيد.
ونظرا لفشل الطبقة السياسية وبطريقة غير مسؤولة للتوافق على إنشاء محكمة دستورية، فإن كل السلطات وقعت وبشكل فعلي في يد سعيد. وفي الوقت الذي طالب فيه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بجدول زمني واضح لإعادة الحكم البرلماني ووعد سعيد المتكرر بتقديم تفاصيل عن خطته إلا أنه أظهر احتقارا للمطالب وخطة الطريق قائلا إن من يريدون خريطة الطريق عليهم البحث عنها في كتب الجغرافيا.
وعلى هذه الخلفية فربما كان إعلان سعيد عن جدول زمني في 13 كانون الأول/ديسمبر خطوة للأمام. وقال إنه ستكون هناك استشارة إلكترونية حول مراجعة الدستور التونسي بداية من كانون الثاني/يناير وأنه سيتم تعيين لجنة ستوكل إليها مهمة التعديلات المقترحة قبل الاستفتاء عليها في تموز/يوليو.
وستعقد انتخابات برلمانية بناء على القانون الانتخابات المعدل في كانون الأول/ديسمبر.
ويحمل الجدول الزمني الكثير من الرمزية السياسية، فالاستفتاء على الدستور سيجري في الذكرى الأولى لسيطرته على السلطة والانتخابات في ذكرى بدء الثورة التونسية وحرق محمد بوعزيزي نفسه في عام 2010. والربط بين هذين العملين يعطي صورة عن شعور سعيد بأهميته.
ويقول الكاتب إنه لو كان الإعلان هو من أجل وقف إجراءات سعيد غير المنتظمة والتي لا تخضع لرقابة خطوة مرحب بها لكنها جاءت متأخرة. فخطة الطريق التي قدمها طويلة جدا، وفوق كل هذا فالجدول الزمني الذي يعني عملية مراجعة الدستور ورسم قانون انتخابي للانتخابات البرلمانية ستجري كلها في وقت يحتكر فيه كل مفاصل السلطة. واللفتة الوحيدة التي تشرك اللاعبين الآخرين هي المشاورة الإلكترونية التي فتحت الآن. فلا يوجد أي شيء يقترح أن هناك جماعة سياسية سيكون لها دور في تشكيل التسوية السياسية الجديدة للبلد. فقد كان سعيد واضحا أنه ينظر للأحزاب بأنها غير شرعية وفاسدة، وأظهر حكمه خلال الأشهر الـ 6 الماضية ازدراء كاملا لأي فكرة عن الحكم الشامل والمتعدد. وأتبع سعيد الحملة التي أعلن فيها عن خطة الطريق بهجوم شديد ضد معارضيه السياسيين، وقادها وزير داخليته توفيق شرف الدين. وقام عملاء الوزارة في نهاية كانون الأول/ديسمبر باعتقال عضو بارز في حركة النهضة ومستشار أمني سابق للحكومة. ووضع الإثنان تحت الإقامة الجبرية بتهم التورط بالإرهاب وبدون أي إجراءات قضائية. وصدر حكم غيابي بسجن الرئيس السابق منصف المرزوقي (يعيش الآن في باريس)4 أعوام بتهمة تعريض الأمن القومي للخطر من الخارج وبعد سيطرة سعيد على السلطة.
وليس من الواضح أية تغييرات دستورية ستقوم بها لجنة سعيد، لكن الأخير طالما عارض فكرة الانتخاب المباشر للبرلمان، مفضلا نموذج الديمقراطية المباشرة والذي تقوم من خلالها مجالس محلية بترشيح ممثلين من أجل إضعاف المؤسسة الوطنية. ويقول خبراء القانون الدستوري المقارن إن مقترحه يحمل ملامح تشابه مع النظام الذي وجد في عهد قيادة معمر القذافي والذي لم تكن سابقة ميمونة. ولا شك في أن الرئيس سيخرج من العملية بسلطات معززة. وقال إن الرد الدولي على خطة الطريق التي قدمها سعيد كان صامتا لكنه إيجابي إلى حد كبير. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها رحبت بالجدول الزمني للإصلاح السياسي والانتخابات التشريعية وهي تتطلع “لعملية إصلاح شفافة وشاملة لكل الأصوات السياسية والمجتمع المدني”. وربما كان هذا محاولة للضغط عبر الحديث عن توقعات إيجابية، ولكنه موقف ساذج. وبيان أقوى كان سيترك أثره من خلال شرط العملية السياسية بشملها الجماعات المدنية والسياسية المتنوعة. ولم تكن لتصادق على تأخير عام في إعادة التمثيل السياسي. وفي بيان لمجموعة الدول السبع صدر قبل أيام من إعلان سعيد دعا إلى “العودة الفورية للمؤسسات الديمقراطية الفاعلة” ومن الصعب رؤية إن كانت خطة طريق سعيد تستجيب لهذا المعيار. وطلب وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مياو بـ “عودة كاملة للديمقراطية وباحترام كامل للحقوق الأساسية وتعزيز الاستقرار”، مع أنه ركز على قضية الهجرة أثناء زيارته الأخيرة لتونس. وفي داخل تونس، فهوس سعيد بالإصلاح الدستوري يبدو غريبا حالة وضعه في سياق مشاغل الناس وقلقهم على الاقتصاد ومستويات المعيشة. وادت الحالة المالية العامة في تونس والتي تحيط بها المخاطر للبحث مع صندوق النقد الدولي عن إمكانية تقديم حزمة مساعدات جديدة مما يعني تخفيضا في النفقات العامة.
ولم يقدم سعيد أية فكرة حول الكيفية التي سيحسن فيها الاقتصاد وهناك توقعات بعودة التظاهرات العامة في الأشهر المقبلة. وعلى شركاء تونس إلى جانب التعبير عن القلق من غياب التمثيل السياسي وسلطة الرئيس التي لا تخضع لرقابة أن تكون واضحة من قمع التظاهرات العامة وحرية التعبير لا تتوافق مع القيم الديمقراطية التي يزعم الزعيم التونسي أنه يؤمن بها