لندن- “القدس العربي”: تحت عنوان “ماكرون كان مرة أمل ليبرالي أوروبا والآن أصبح نهبا للشعبوية السّامة” نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا أعده ويل هاتون، قال فيه إن فرنسا بلد جميل وقاتم بشكل قاس، فريفها مرصع بالبلدات والمناظر التي تحبس أنفاسك، ولكنها مليئة بالمناطق الخرسانية المهجورة التي لا روح لها، خاصة في ضواحي المدن. وكأن المخططين والمهندسين المعماريين في تبنيهم للحداثة، فقدوا لمسة ومعنى أن تكون إنسانا، كل هذا كان محفزا للإسلاموفوبيا السامة واليأس الثقافي بشكل عام.
وبحسب الكاتب، فقد باتت عواقبها السياسية واضحة وتتردد في كل أنحاء أوروبا والغرب، وسيهيمن اليمين على الانتخابات الرئاسية التي ستعقد هذا الربيع. وبات ماكرون يتحدث بلغة قاسية معارضة للهجرة، لم يكن نايجل فاراج الذي يشترك بنفس المشاعر ليتلفظ بها وبشكل مفتوح في أوروبا.
وقال إن الاشتراكية الفرنسية انهارت قبل الهجوم، في الوقت الذي اضطرت فيه مرشحة اليمين الرئيسي فاليري بيكريس لترديد نفس الاستعارات. ولكن وتيرة الحملات الانتخابية حددها المرشح الرئاسي والنجم التلفزيوني إريك زمور، الذي ظهر فجأة على المشهد السياسي في الخريف الماضي. وهو متطرف وكاره للإسلام، ويقول إن فرنسا ستصبح تحت سيطرة المسلمين فيما أطلق عليه “الاستبدال العظيم”. وانضمت إليه ممثلة اليمين مارين لوبان، التي تردد نفس الكلام منذ وقت، وتكرر ما قاله والدها منذ سنين.
زمور متطرف وكاره للإسلام، ويقول إن فرنسا ستصبح تحت سيطرة المسلمين فيما أطلق عليه “الاستبدال العظيم”.
وحصل الاثنان على موافقة 30% في استطلاعات الرأي. أما ماكرون الذي نُظر إليه قبل خمسة أعوام على أنه ممثل لنوع جديد من الديمقراطية الواثقة من نفسها وتجمع ما بين حكم الغالبية والديمقراطية الاجتماعية والليبرالية المحافظة، فهو متقدم عليهما بنسبة أقل، حيث يحظى بشعبية 24%، وهذه نسبة غير كافية للمصادقة على حكمه ولا خططه لتحويل اليسار إلى يمين.
وربما حكم ماكرون بكفاءة، لكن إلغاءه لضريبة الثروة ومحاولتة تشكيل اتحادات عمال توافقية، شوّهت ما تبقى لديه من سمعة في معسكر اليسار. أما على اليمين، فيُنظر لمواقفه من الهجرة واللجوء والإسلام بالمؤقتة وليست الدائمة. وتعيش في فرنسا أكبر أقلية مسلمة في أوروبا، ولكن الكثير من الفرنسيين يعتقدون أن الإسلام لا يتوافق مع القيم الفرنسية وبالذات “اللائكية” التي ولدت بعد الثورة الفرنسية عام 1789، والتي ترى أن الدين يجب أن يظل بعيدا عن الحياة العامة والثقافية بحيث لا تمثل لها الكاثوليكية المتلاشية تهديدا، وبهذا يجب على الإسلام التلاشي أيضا.
وبالنسبة للمسلمين، فهم مزدحمون وبشكل غير متناسب في غابات من الإسمنت التي لا روح لها، والمعروفة بالضواحي أو البولنيو، مهمشون معزولون ومفصلون بطريقة وصفها رئيس الوزراء السابق مانويل فالس بـ”أبارتهايد مناطقي وأخلاقي واجتماعي”.
وأضف إلى هذا، تداعيات ما وصفه الكاتب بـ”صعود التشدد الإسلامي في الشرق الأوسط”، وهناك وصفة لحلقة التهميش المفرغة والمظلمة والتي تغذي التطرف الإسلامي. ووجد ماكرون نفسه معصورا وبطريقة مستحيلة، فلا سلطات إضافية للترحيل، التحقيق، الاعتقال، محاولة الدمج قبل أن تصبح التهديدات واضحة لكارهي الإسلام. ولم تعد الخطابات التي تُلقى بحسن نية وتعبر عن القيم الجمهورية الغربية كافية. وهي مادة قوية للأيديولوجيين. وزاد الإرهاب بشكل كبير، وهو الأسرع زيادة في أي دولة أوروبية. وتقوم فرنسا باعتقال مشتبه بهم بالتطرف الإسلامي أكثر من أي دولة أوروبية، وذلك حسب معهد الاقتصاد والسلام. وبحسب آخر الإحصاءات فمن بين 67 ألف خرجوا من السجن كان 47 ألف مسلم. وتصل نسبة البطالة بين المسلمين إلى 14% وهي ضعف المعدل الوطني بمرتين. وتلعب الثقافة السياسية والإعلامية دورا في مفاقمة المشاكل.
وصعد زمور من خلال برامج حوارية رخيصة عبر عدد من القنوات التلفزيونية التي تبث حوارات نارية في برامج ترفيه، وما عليك إلا التفكير بالمحطة التلفزيونية البريطانية “جي بي” ولكن أسوأ.
ويشجع النظام الرئاسي الفرنسي الذي يسمح للفائز الأول والثاني بجولة انتخابية ثانية أشخاصا مثل زمور ببناء شخصية تحظى بإعجاب بل وبعبادة الجماهير كما فعل ماكرون عام 2017. وأنشأ ماكرون حزب “إلى الأمام”، فيما أنشأ زمور حزب “الاسترداد”. وسُمّي بهذا الاسم “لاسترجاع فرنسا المهددة بسيطرة ساحقة من المسلمين عليها”.
المسلمون في فرنسا يعيشون في غابات من الإسمنت التي لا روح لها، والمعروفة بالضواحي أو البولنيو، مهمشون معزولون ومفصلون بطريقة وصفها رئيس الوزراء السابق مانويل فالس بـ”أبارتهايد مناطقي وأخلاقي واجتماعي”.
ويحتفي زمور بعيد “القائد العظيم” في التاريخ الفرنسي من نابليون وجان دارك وشارل ديغول. ومن أجل استعادة مجدها الضائع، تحتاج فرنسا اليوم إلى قائد عظيم، ليس مثل سياسي الوسط الغريب ماكرون، ولكن العاطفي والمتحمس زمور، وبناء دولة قائمة على النقاء العرقي والثقافي.
ويجب أن تكون عملية الاندماج شاملة وتشمل تغيير الأسماء. كما يجب وقف الهجرة. ويجب إلغاء كل أنواع الرفاه الاجتماعي والدعم في الميزانية لأي نشاط أجنبي.
ويعتبر زمور التجارة الحرة لعنة. وسيقوم بتجميد العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وبناء سياسة خارجية مستقلة. ولم يمنع خروج فرنسا “فريكسيت” من الاتحاد الأوروبي والتي تبنتها لوبان إلا كارثة الخروج البريطاني “بريكسيت”. ولكن سياسة التسامح والاحترام المتبادل يجب أن تنتصر بطريقة ما، وإلا فإن الديمقراطيات الغربية بسكانها المتعددي الأعراق ستجد نفسها أمام مشكلة عويصة.
ويظل تنازل ماكرون عن اللياقة والكفاءة مفضلا على سياسة الكراهية والاستبعاد التي قد تغلق فرنسا كما فعلت مع بريطانيا، ولو تكررت هنا، فستتحول إلى نبوءة تحققت. ويقول الكاتب إن “العون قادم لأوروبا وفرنسا وحتى بريطانيا من شيء يتكشف أمامنا وهي مهزلة البريكسيت التي دفعتها مشاعر موازية معادية للهجرة تمحورت إلى العنصرية”. وفي مرحلة ما بعد البريكسيت، كشفت استطلاعات الرأي مواقف مخففة في العداء للهجرة.