على بعد ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية وفي أوج النقاش الحاد في البرلمان حول “جواز التطعيم/التلقيح”، أشعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجدل بعبارة خارجة عن اللباقة السياسية وصفت “بالمبتذلة”: (Les non vaccinés, j’ai très envie de les emmerder) “أي أنه يرغب بشدة في جعل الحياة صعبة على رافضي التلقيح ضد كوفيد-19”. كما اعتبر ماكرون أن غير الملقحين “ليس لديهم إحساس بالمسؤولية”.
هذه التصريحات أثارت ضجة كبيرة، خلال جلسة في البرلمان، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، إذ تم استنكارها بقوة من قبل الطبقة السياسية بأكملها. كريستيان جاكوب، رئيس كتلة حزب “الجمهوريون” اليميني المحافظ قال إنه “لا يجوز لرئيس الجمهورية الإدلاء بتصريحات كهذه”. وطالب بتقديم تفسيرات حولها. وكذلك فعلت شخصيات معارضة أخرى، مطالبة رئيس الوزراء جان كاستكس بالحضور لتقديم تفسيرات. وفي ضوء ذلك، علق البرلمان نقاشا حول قانون جديد يتعلق بكوفيد-19 في ساعة مبكرة من صباح اليوم الأربعاء.
مرشحة حزب “الجمهوريون” للانتخابات الرئاسية فاليري بيكرس، قالت بدورها إنها “غاضبة من تصريحات الرئيس.. وإنه لا يملك الحق في تحديد من هو الفرنسي الجيد ومن هو الفرنسي السيئ”. في حين، ردت زعيمة حزب ‘‘التجمع الوطني’’ اليميني المتطرف مارين لوبان على تصريحات ماكرون بالقول: ‘‘إن ضامن وحدة الأمة مستمر في تقسيمها ويفترض أنه يريد جعل غير الملقحين مواطنين من الدرجة الثانية.. إيمانويل ماكرون لا يستحق منصبه’’.
يانيك جادو، مرشح حزب البيئة ندد بما سماه ‘‘الخطأ السياسي’’ الذي يتمثل في جعل التطعيم بمثابة استفتاء لصالح أو ضد ماكرون، أما زعيم حركة ‘‘فرنسا الأبية’’ اليسارية الراديكالية، جان ليك ميلانشون، فقد تساءل إن كان الرئيس الفرنسي يعي ويتحكم جيدا فيما ينطق به لسانه، مضيفا بأن منظمة الصحة العالمية تقول: اعتمدوا أسلوب الإقناع بدل الإكراه، بينما إيمانويل ماكرون يقول إنه لا يكترث للآخرين أبدا. وهذا أمر مروع حسب تعبير ميلانشون.
الجدل وصل كذلك إلى صفوف أغلبية الرئيس إيمانويل ماكرون، حيث علق نائب في البرلمان عن حزب “الجمهورية إلى الأمام” الحاكم، هوغ رنسون على تويتر، قائلا: “أمة متحدة تفترض شعبًا موحدًا”. لكن الكثيرين داخل الأغلبية دافعت عن الرئيس إيمانويل ماكرون، على غرار ستانيسلاس غيريني الذي قال إن “الموضوع ليس له علاقة بمسألة نبذ الفرنسيين”.
كما لم تسلم شبكات التواصل الاجتماعي من هذا الجدل، حيث أطلق على تويتر الهاشتاغ #Macrondestitution #إقالة_ماكرون، والذي استخدمه عشرات الآلاف بعد ساعات قليلة من الكشف عن تصريحات الرئيس ماكرون.
على الرغم من تشكيك الفرنسيين تاريخيا في اللقاحات أكثر من غيرهم من مواطني الدول المجاورة، تتمتع فرنسا بواحد من أعلى معدلات التطعيم ضد كوفيد-19 في الاتحاد الأوروبي حيث تم تطعيم نحو 90 بالمئة من الفرنسيين الذين تزيد أعمارهم عن 12 عاما.
ويعني ذلك أن ماكرون كان يتوجه بتصريحاته هذه المثيرة للجدل إلى الـ 10% المتبقية، أي 5 ملايين بالغ ما يزالون مترددين ولم يعبروا بعد أبواب مراكز التطعيم. فبعض هؤلاء ما يزال يريد أن تتم طمأنته أكثر، فيما البعض الآخر يبدو أكثر تشددا ويستنكر اللقاحات.
وفي خضم هذا الجدل الذي أشعله الرئيس ماكرون بتصريحاته هذه حيال غير الملقحين ضد كوفيد-19 والتي وصفت بـ“المبتذلة” تساءل العديد من المراقبين والمحللين والصحافيين: هل نحن أمام زوبعة عابرة، أمام عاصفة قد تلاحق ارتداداتها الرئيس إيمانويل ماكرون في الانتخابات الرئاسية بعد نحو ثلاثة أشهر؟
فحتى الآن، في مواجهة فاليري بيكريس ومارين لوبان وإريك زمور، أظهر إيمانويل ماكرون نتائج جيدة في استطلاعات الرأي للجولة الأولى من هذه الانتخابات الرئاسية. لكن كل الاحتمالات تبقى قائمة بالنسبة للجولة الثانية.
ولذلك، يبدو أن ماكرون ترك من خلال هذا التصريح ضد غير المطعمين خلع ملابسه الرئاسية ليأخذ ملابس المرشح. فهو في المضمون يعرف أنه مدعوم من قبل أغلبية كبيرة من الفرنسيين الذين يؤيدون التطعيم. لكنه في الشكل، يخاطر عبر استعداده لإحداث انقسام في صفوف الشعب