في المقال السابق قلت أننا نحن المسلمين لو نزل بعدنا كتاب سماوي لكان فيه كثير من التوجيهات نحتاج لها باسمنا مسلمين، كما جاء في كتابنا يرد علي الكتابيين بعد دعاويهم وأمنياتهم في دينهم وزيادة للعبادة في دياناتهم دون أن يؤمروا بها يقول تعالي في دعواهم : {{وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه}} فرد عليهم في كتابنا بقوله تعالي : {{قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق}} إلي آخر الآيات، وعندما قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات رد عليهم بقوله تعالي : {{وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون}}.
وعندما اخترعوا عبادة الرهبنة وحرموا أنفسهم من مباحات الله لهم رد عليهم بقوله تعالي :{{ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله}} أي فعلوها ظنا منهم أنهم يريدون بها وجه الله فرد عليهم بقوله :{{فما رعوها حق رعايتها فآتنينا الذين ءامنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون}}.
ولكن عندما تذكرت الآيات التي جاءت في كتابنا علمت أن كتابنا نزل كاملا لا يحتاج إلي توجيهات تطرأ عليه لا أمنيات ولا زيادة عبادة يقول تعالي : {{ ما فرطنا في الكتاب من شيء }} ويقول : {{وأنزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشري للمسلمين}} كما أن قوله تعالي : {{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}} يوحي بأن كل ما طرأ بعدها علي الدين مهما كان عقيدة أو عبادة فليس من الدين، ولذا أقر أهل الكتاب أن معناها ليس في كتبهم وذلك بقولهم أنها لو نزلت عليهم لاتخذوا يوم نزولها عيدا.
أما سبب أمنياتي لنزول كتاب يوجه عقائدنا وعباداتنا يرجع إلي ما يلي :
أولا: وضوح شدة عذاب الله للمخالف، ذلك العذاب الأبدي الذي يصفه المولي عز وجل بقوله : {{نار الله الموقدة التي تطلع علي الأفئدة إنها عليهم موصدة في عمد ممددة}}.
ثانيا: القرآن خاطب كل فرد منا بامتثال أوامره هو وأكد أنه هو الذي سيراقب عملنا بقوله تعالي :{{يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والله يقضي بالحق والذين تدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير}}، ويقول تعالي : {{يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفي كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون}}، {{ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا}}.
فبعد قراءة هذه النصوص الواضحة التي لا تترك أي مكان لشخص آخر في تولي مراقبة شخص أو انتسابه في العبادة إلي طريقة خاصة بذلك الشخص الذي هو نفسه داخل في كل لفظ "كل" الكثيرة في القرآن والتي تقتضي العموم {{وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة }} إلي آخر الاية.
فبالرجوع إلي قضية طقوس العبادة الصوفية نجد أهلها خططوا لها كعبادة لها أركانها وأدبها ومأللعبادةإلي آخره، فعندما نفتح المصحف الشريف تجد فيه الأوامر والنواهي ومراقبة عمل كل فرد في هذه الأوامر والنواهي واضحة كل الوضوح.
وعندما تضع مقابله خطة الصوفية للعبادة تري الصوفية أخذت الاستقلال التام ورفعت فوق عبادتها رايتها الخاصة بها وفوق أرضها المحددة لها، وكأنها تحتفل وحدها بما سلكت من طريق خاصة بها توصلها بأمانة إلي الله أو إلي معرفة الله معرفة معروفة لديهم صاحبها خرج من الخوف النهائي الذي يخوف الله به عباده، أي فمثلا الوعد والوعيد يصبحون في غني عن الاستماع إليهما، فالوعد هم مستحقون لأحسنه، أما الوعيد فلا يجتمع مع معرفة الله، المعرفة التي يصفون بها أنفسهم.
هذا وقبل أن أسجل نوع هذه الطرق ونذكر أركانها لمناقشتها علي ضوء آيات الله البينات نقول للقارئ الكريم أني لا أكتب ضد أحد ولا أتمني لأي أحد إلا خير الدنيا والآخرة والتوفيق لسلوك الصراط المستقيم الذي جعله الله عز وجل هو الطريق الذي علي الإنسان أن يسلكه لكسب ما جاء في الوعد والنجاة من ما جاء في الوعيد وقد بين المولي عز وجل أن هذا الطريق لا يؤخذ إلا من داخل القرآن.
وهذا يعني أن أي طبيب يستغبط مهنته ساعته يفحص والديه ولا أظن أنهم يفضلون ان يكتم عنهم أي مرض اطلع عليه، فإذا كان غير مختص ورأي اختصاصي يقول له أن المرض الذي اكتشف في والديه لا يعد مرضا أو أنه عرض صحي له مناعته فإن هذا الطبيب الولد سيرتاح راحة قل نظيرها، ولكن ما دام لم يوجد ذلك الأخصائي ( وسوف لا يوجد ) فإن الولد الطبيب سيظل غلقا علي والديه من مرض صاحبه لا يموت فيه ولا يحي.
والآن أصل إلي أركان عبادة الصوفية التي لا تقوم ماهيتها إلا بحصولها:
أولا: رجل يلقب بالشيخ ولو كان شابا لأنه تارة يكون وريثا لوالده بعد وفاته لأنها هي أصبحت (أي عبادة الصوفية) في القرون الأخيرة إرثا مستحقا، وهذا الشيخ عنده لقب آخر أو صفة تأتيه بالوراثة هي الأخرى بعد وفاة أبيه مباشرة وهي أنه ولي من أولياء الله وهذه هي الكارثة العظمي في الدين.
فالولاية هنا ليست بمعناها الإسلامي الذي هو الموالاة في كل شيء، فإذا كانت بين الله وعباده فمعني أنه حافظهم ومتولي أمرهم يقول تعالي : {{الله ولي الذين ءامنوا يخرجهم من الظلمات إلي النور}} وإذا كانت من الأسفل إلى الأعلي وهي أن المؤمن وليه الله فهي بمعني لا يسأل ولا يتوكل عليه إلا الله مثل قوله تعالي :{{إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولي الصالحين}}، وأما إذا كانت هذه الولاية بين المؤمنين فتكون هي المعبر عنها في قوله تعالي :{{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}} إلي آخر الاية وفي الحديث بقوله صلي الله عليه وسلم :((المؤمن أخو المؤمن لا يسلمه ولا يخذله إلي آخر الحديث}} أو كما قال صلي الله عليه وسلم.
أما هذا الوصف الذي يطلقه التلاميذ على من أخذوا عليه الورد - الذي سوف نتكلم عليه بإذن الله – وهذه الشحنة التي يعبر بها التلاميذ عن شيخهم هي أخطر ما يأتي به الإنسان لربه لأن المعني الذي أصبح معروفا عن ذلك الوصف أن كلمة " ولي " تساوي معرفة الغيب، وهذا الوصف هو ما نفاه النبي صلي الله عليه وسلم عن نفسه ونفاه عنه ربه يقول تعالي للرسول صلي الله عليه وسلم : {{قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء}} والله يقول لنبيه مباشرة :{{وما كان الله ليطلعكم علي الغيب}}.
فهو أول نقطة من الكوارث الأخروية التي يتسبب فيها اعتقاد وجود شيء مع الله له نفع أو ضر يقول تعالي : {{أمن يجيب المضطر إذا دعاه} لأن من قرأ القرآن لا يشم فيه رائحة أن أي أحد من ساعة موته وإلي ما بعد أن ينفرد مع الله لا وجود لا بجنبه ولا داخله إنسان آخر يقول تعالي :{{ولقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون}}.
ولا يمكن أن يقال هنا أن المعني بهذه الآية هو اعتقاد المشركين بل الوصف عام لكل من اعتقد أن أي إنسان (سميه ما شئت) أنه سيُشرَكُ في معاملته بعد موته مع الله سواء ساعة قبض الروح أو السؤال أو أي موقف يطرأ علي الإنسان بعد الدنيا فإنه يعتقد شركا مع الله في الإنسان وقد نفاه الله هنا.
وإلي الحلقة القادمة بإذن الله : كيف نفهم الإسلام الصوفي ا لموريتاني {9}، (5)