قال الخبير الاقتصادي سيد احمد ولد أبوه ان قرار البنك الدولي هو تطبيق تلقائي لنصوص تنظيمية ولا علاقة له بالسياسة ولا بالنجاعة ولا بعدمها ولكنه سيطرح سياقا جديدا لتسيير سياسة تعبئة الموارد لتمويل التنمية.
وقال ولد ابوه -وهو خبير اقتصادي شهير- في تدوينه له ننشرها للإفادة :
موريتانيا والبنك الدولي (١)
نشرت بعض صفحات افيسبوك الموريتاني اليوم رسالة موجهة من الممثلة المقيمة للبنك الدولي بموريتانيا إلى وزير الاقتصاد وترقية القطاعات الإنتاجية تتناول قرار البنك الدولي إغلاق شباك المِنَح المعبأة عبر تمويلات الوكالة الدولية للتنمية أمام موريتانيا لتجاوز حصة الفرد فيها من الدخل الوطني الخام لعتبة شرط الولوج لهذه المنح وكنت قد أشرتُ في السطور الأخيرة لتدوينة منشورة على هذه الصفحة بتاريخ 27 أغشت 2021 إلى توقع هذا الاحتمال والآن أعود لتناول الموضوع سعيا إلى المساهمة في توضيح سياق وآثار هذا القرار.
بعد خمسة عشر سنة على إنشائها (1945) لتعمير أوربا المدمرة بفعل الحرب العالمية الثانية وفِي أوج ولوج بلدان كثيرة في إفريقيا وآسيا إلى الاستقلال عن مستعمريها المنهكين بفعل الحرب قررت مجموعة البنك الدولي سنة 1960 إنشاء شباك مالي موجه لتنمية البلدان الفقيرة والحديثة العهد بالاستقلال سمته “الوكالة الدولية للتنمية IDA” وهي إحدى خمس مؤسسات تشكل مجموعة البنك الدولي.
تعتمد الوكالة شرطين ضروريين للولوج لمواردها المالية ( منح، شبه هبات وقروض ميسرة) فلابد أن يكون البلد فقيرا نسبيا أي أن حصة الفرد فيه من الدخل الوطني الخام (وهو محدد اقتصادي مشابه للناتج الداخلي الخام ولكنه يشمل ايضا التحويلات من خارج البلد) أدنى من عتبة يتم احتسابها سنويا بمناسبة إعداد موازنة الوكالة والتي تغطي سنة مالية تبدأ على غرار جل المنظومات الآنجلوسكسونية من فاتح يوليو وقد تجاوزت موريتانيا وللعام الثالث على التوالي هذه العتبة ثم كشرط ثان لابد أن تكون وضعية مديونية البلد حادة بحيث لا تسمح له من الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية بشروط السوق وبعد التأكد من هذين الشرطين يتم تقييم البلد على مسارين أولهما وهو المهم يتم عبر آلية تقييم تسمى “تقييم السياسات والمؤسسات بالبلد CPIA أي (Country Policy and Institutional Assessement) وهو تقييم لستة عشر معيار موزعة على أربع مجموعات كما يلي:
المجموعة الأولى وتغطي “التسيير الاقتصادي” وتشمل السياسة النقدية وسياسة سعر الصرف، سياسة الميزانية، سياسة تسيير المديونية.
المجموعة الثانية وتغطي “السياسات البنيوية” وتشمل السياسة التجارية، القطاع المالي، الإطار التنظيمي للشركات والمؤسسات
المجموعة الثالثة وتغطي” سياسات محاربة التهميش الاجتماعي وترقية المساواة” وتشمل المساواة بين الجنسين، الإنصاف في استخدام الموارد العمومية، تثمين المصادر البشرية، الحماية الاجتماعية واليد العاملة، السياسات والمؤسسات المرتكزة على الاستدامة البيئية.
المجموعة الرابعة والأخيرة وتغطي “تسيير ومؤسسات القطاع العمومي” وتشمل حقوق الملكية والحكامة المؤسسة على قواعد، جودة التسيير الميزانوي والمالي، كفاءة تعبئة الإيرادات، جودة الإدارة العمومية، الشفافية والمساءلة والرشوة في القطاع العمومي.
يتم تقييم كل معيار على سُلّم من ست درجات (1 هي أسوأ نتيجة و 6 هي أفضل نتيجة) ويتم بعد ذلك حساب المتوسطات حسب الأوزان المعيارية لتحديد النتيجة السنوية المندمجة للبلد (البلدان التي تتحصل على نتيجة أدنى من 3 تصنف في التقييم على أنها بلدان هشة (fragile states) وتلك الواقعة نتائجها بين 3 و4 بلدان غير هشة وما بعد 4 بلدان صلبة مؤسسيا.
للعام الرابع على التوالي تحافظ موريتانيا على نتيجة 3,4 وقد حققت أعلى نتيجة قطاعية في التقييم على مستوى عدة معايير في المجموعات الأربعة بمعدل 4 وحققت أدنى نتيجة في التقييم على مستوى القطاع المالي وبمعدل 2,5 (لا غرابة في هذا كما سيتم تناوله في التدوينة القادمة). معيار التقييم الثاني للبلدان هو تنزيل نتيجة البلد على فعالية محفظة مشاريعه الممولة عبر الوكالة الدولية للتنمية ليتم في نهاية مسار تحديد حصة البلد من غلاف تمويلات الوكالة إدخال العامل الديمغرافي (عامل غير مساعد بالنسبة للحالة الموريتانية).
قرار الوكالة الجديد هو تطبيق تلقائي لنصوصها التنظيمية ولا علاقة له بالسياسة ولا بالنجاعة ولا بعدم النجاعة ولكنه سيطرح سياقا جديدا لتسيير سياسة تعبئة الموارد لتمويل التنمية وسيكون ذلك موضوع التدوينة القادمة غدا بحول الله.