شكلت نتائج الإنتخابات الرئاسية الأخيرة ( يونيو 2019 ) فى مناطق الحوضين رسالة بالغة التأثير، بعدما كشفت الأرقام الصادرة عن اللجنة المستقلةللإنتخابات انحياز الناخب فى تلك المناطق لصالح قائد أركان الجيش لأكثر من 10 سنين، والمرشح المستقل محمد ولد الشيخ الغزوانى، بينما تقلصت حظوظ منافسيه فى مجمل الدوائر الإنتخابية داخل كبريات المدن وفى الريف على حد سواء.
لم يحظ المرشح المستقل محمد ولد الشيخ الغزوانى بدعم رجال السلطة، أو شيوخ القبائل، أو نواب البرلمان أو العمد، أو رموز التصوف فقط، بل حصد ولاء الآلاف من أبناء المناطق المذكورة، من خارج النخبة المحسوبة تقليديا على السلطة، وخصوصا من الجيل الصاعد. فتتالت إعلانات الدعم من طلاب الجامعة والثانويات والتجار فى الخارج، والتعاونيات النسوية، والمبادرات الشبابية العابرة للأحلاف التقليدية والقبائل، وبعض أطر الدولة وأساتذة الجامعات.
ورغم تفسير البعض للأمر فى الدرجة الأولي بالعامل الجهوى، بحكم انتماء الرئيس لإحدى مدن الشرق الموريتانى (بومديده)، إلا أن الغالبية العظمى من المصوتين، كانت تنظر بالأساس إلى أن الرجل القادم من دهاليز المؤسسة العسكرية والأمنية، وغير المشهور بالفساد أو الحدية، هو الأقدر على إدارة المرحلة الحالية، وبأن لديه القدرة على إعادة الأمل للمناطق المحرومة فى الشرق الموريتانى، والدفع باتجاه احداث توازن بين جهات الوطن، من شأنه تخفيف وطأة الفقر داخل المناطق المذكورة، ومنح الآلاف من الشباب فرصة الولوج إلى الوظيفة العمومية، وانتقاء بعض أهل الفكر والرشد للولوج إلى دوائر صنع القرار، من أجل إحداث تنمية جهوية مستديمة، ووقف التدهول الحاصل فى العديد من القطاعات الخدمية بالمنطقة، كالصحة والتعليم والمياه والكهرباء.
كثر ترشحوا من المناطق الشرقية للإنتخابات الرئاسية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، لكن لم يحظ أي منهم بالزخم الذى قوبل به ترشح القائد السابق للجيش محمد ولد الشيخ الغزوانى، ولم يتجاوز أغلبهم عتبة المحيط الذى رشحه أو رشح منه. وهو مايجعل العامل الجهوى آخر مسلمة يمكن الركون إليها لتفسير الإقبال الكبير على التصويت والنسب التى تجاوزت 80% فى بعض المكاتب، رغم الحضور القوى للمعارضة السياسية خلال العشرية الأخيرة فى مجمل الإنتخابات التشريعية والبلدية والجهوية، والتى فرضت الإعادة فى مجمل الدوائر خلال انتخابات المجالس الجهوية، وقلصت الفارق فى الكثير منها إلى مستشار أو مستشارين فقط (انتخابات سبتمبر 2018).
غير أن مجمل تلك المناطق لاتزال تعانى من إشكالات تنموية حقيقية، وبعضها تفاقم وضعه بفعل آثار كوفيد 19، والفساد المتجذر داخل المنظومة التنفيذية، وتقادم بعض المشاريع التى أستفادت منها المنطقة خلال العقود الماضية – على محدوديتها- وعجزها عن استعاب النمو الديمغرافي المتصاعد والإقبال الكبير على المدن، كما هو حال مناطق واسعة من الشرق الموريتانى مع خدمتي الماء والكهرباء.
كما أن الأمل فى إعادة التوازن للمناطق المذكورة عبر إطلاق برامج محلية فى مجال التشغيل والتعليم، أو العدالة فى سياسات السلطة فى مجالات حيوية كالتعيين والترقية والتوظيف تراجع بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، بل إن بعض الإجراءات فهمت من قبل السكان بأنها تكريس للغبن المعاش منذ فترة، ونسف لكل الآمال التى عاشها الآلاف داخل كبريات المجالس المحلية بالمنطقة خلال الأشهر الأولى من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى.
مجالس بلدية وازنة، وقبائل فاعلة ومؤثرة، وجهات ظلت مهمشة خلال العقود الماضية، لم تحظ بأي لفتة من الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى، رغم أنها كانت أكثر من راهن عليه، لتغيير وضعيتها السابقة لتوليه مقاليد الحكم، والمستمرة بعد سنتين من حكمه، وهو ما أثار الكثير من نقاط الإستفهام حول المحيطين به من أهل السياسية والرأي والمنشغلين بتدبير الأمور محليا من أهل الإدارة والأمن.
وهذه أبرز الإشكاليات المطروحة للسكان خلال الأيام الأخيرة، والإجراءات المطلوبة من السلطة التنفيذية فى الوقت الراهن :
(*) حل مشكل مياه مشروع أظهر، عبر توفير الطاقة اللازمة لتشغيل آبار المشروع، وإنهاء الوضعية المتردية التى يعيشها المشروع منذ أكثر من سنة.
(*) توفير الأخصائيين فى المراكز الصحية الأساسية بالمنطقة، والتجهيزات الضرورية، وخصوصا فى المراكز الجهوية بالنعمة ولعيون.
(*) ترميم المقاطع المتهالكة من طريق الأمل (الطينطان – اعوينات أزبل)، وإعادة النظر فى الترميم الشكلى الذى تقوم به احدى الشركات الوطنية للطريق، والذى تحول إلى سخرية خلال الأسابيع الماضية، بعد تداول صور من مقاطع قيل أن الشركة المذكورة أعادت ترميمها بالمنطقة خلال شهر يونيو .
(*) توسيع شبكة الكهرباء داخل كبريات المدن كتمبدغه ولعيون والنعمة وأمرج وباسكنو، لإستعاب التحول الحاصل، وكهربة مناطق جديدة أستقطبت الآلاف من السكان، لكنها لاتزال خارج أولوية القطاع المكلف بالكهرباء.
(*) تنفيذ الوعود السالفة لوزراء الإسكان ، عبر تخطيط المدن، وخصوصا النعمة ولعيون وتمبدغه
(*) تسريع العمل فى الميناء القارى بمقاطعة كوبني، وتفعيل الإتفاقيات المبرمة منذ سنوات مع الماليين، من أجل إنعاش الحركة التجارية بالمنطقة، وتوفير فرص عمل للشباب، بدل بيع الوهم الذى تمارسه بعض القطاعات الوزارية فى الوقت الراهن، وخلق فضاء تجاري يعيق حركة النزوح شبه اليومية نحو العاصمة نواكشوط وكبريات المدن الأخري.
(*) ترميم الثانويات المتهالكة، فى لعيون وتمبدغه والنعمة، وإعادة تفعيل مراكز التكوين المهني، وإسال فرق تفتيش للإطلاع على واقع الثانوية الفنية بالنعمة والجامعة الإسلامية بلعيون، والإدارات الجهوية للتهذيب،ومراجعة المشاريع المتدخلة بالمنطقة، وتقييم التدخلات السابقة.
(*) تفعيل الإدارات الجهوية للزراعة واستغلال البحيرات الموجودة بالمنطقة، ودعم الزراعة المطرية، عبر توجيه السياج إلى مستحقيه، بعدما تحول خلال الفترات الماضية إلى سلعة لشراء ولاء النافذين والوجهاء، وانشاء محميات صورية، هدفها اذكاء النزعة القبلية وتعطيل حركة المنشغلين بالقطاع الزراعي والتنمية الحيوانية بالمنطقة.
(*) انقاذ الحركة الثقافية بالمنطقة، عبر بناء فضاءات شبابية ، وتمويل مهرجانات سنوية، وإطلاق دوريات جهوية لكرة القدم، وتشجيع السياحة الداخلية، عبر برمجة بعض الأنشطة الحكومية خلال شهور الخريف أو الشتاء، بعدما باتت الأنشطة الرسمية مقتصرة على زيارات الرؤساء للمنطقة فى عز الصيف، وهو ماينهك ساكنة المنطقة، ويقلص الفوائد المحتملة لتلك الأنشطكة الحكومية، رغم الزخم الذى تحظى به.
سيد أحمد ولد باب / مدير موقع زهرة شنقيط