لا حديث عن الجانب التنموي في زيارة الرئيس لولاية الترارزة، ولا ذكر للمشاريع الهامة التي سيتم تدشينها خلال الزيارة، والتي من بينها:
ـ مشروع "الشيشية" الزراعي الذي ستستفيد منه مئات الأسر الفقيرة في بلدية "جدر المحكن"؛
ـ انطلاق مشروع كهربة الأراضي الزراعية بمقاطعة "كرمسين"؛
ـ إعطاء إشارة الانطلاق لبدء الأشغال في شبكة هامة للطرق في مدينة روصو؛
ـ تدشين محطة كهربائية من أجل تأمين إمدادات الكهرباء لمحطة "بني نعجي" التي تزود مدينة نواكشوط بالمياه الصالحة للشرب. أهمية هذا التدشين الأخير سيدركها كل من يتذكر انقطاع الماء عن العاصمة نواكشوط، والذي استمر لعدة أيام من شهر سبتمبر من العام 2020، والذي كان بسبب انقطاع الكهرباء في شبكة "سد منتالي" التي تزود محطة "بني نعجي" بالكهرباء.
إنها مشاريع هامة لا تجد من يتحدث عنها الآن، وقد لا تجد من يتحدث عنها مستقبلا، والسبب في ذلك واضح وبين. فالأطر والوجهاء ورجال الأعمال والساسة الذين توافدوا على ولاية الترارزة بحجة المساهمة في إنجاح زيارة الرئيس منشغلون هذه الأيام بعرض صورهم وبنشر أخبار عن "جهودهم الجبارة" التي يقومون بها في الحشد والاستضافة. ومن المؤكد بأنهم سيتنافسون بعد زيارة الرئيس في نشر المزيد من الصور والأخبار عن "الجهود الجبارة" التي قاموا بها في سبيل إنجاح الزيارة.
لقد أصبح من الواضح أن توافد الأطر والوجهاء والساسة على ولاية الترارزة بحجة إنجاح زيارة الرئيس سيأتي بنتائج سلبية، وسيضر الزيارة أكثر مما ينفعها، وهذا ما جعلني أنشر مقالا في يوم الأربعاء الموافق 30 يونيو 2021 تحت عنوان " يا أطر الترارزة : لا تفشلوا زيارة الرئيس!".
لقد انشغل الأطر والوجهاء بالترويج لأنفسهم وأحلافهم السياسية، وانشغل متابعو الشأن العام بكشف الماضي القريب والبعيد وغير المشرف لأولئك الأطر والوجهاء، فذكروهم بأرشيفهم التطبيلي والتزلفي للرؤساء السابقين.
هكذا غاب الجانب الأهم في الزيارة أي الجانب التنموي، عن الإعلام وعن التداول اليومي، وذلك بسبب انشغال الأطر والوجهاء بتلميع أنفسهم، وانشغال متابعي الشأن العام بكشف الأرشيف غير المشرف لأولئك الأطر والوجهاء.
إن أهم ما كان يمكن أن يقدمه الذراع السياسي والإعلامي للرئيس يتمثل حسب وجهة نظري في أمرين أساسيين:
أولهما : إسماع صوت المواطنين وإيصال همومهم ومشاكلهم للرئيس؛
ثانيهما: تسويق إنجازات النظام ..في بعض الأحيان قد يكون الانطباع الذي يتولد لدى المواطنين أهم من حقائق الواقع، ولذا فإن أي إنجازات لم تسوق إعلاميا وسياسيا في عالم اليوم الذي أصبح يتحكم فيه الإعلام الجديد، ستبقى وكأنها إنجازات لم تتحقق.
لم يتمكن الذراع السياسي والإعلامي للنظام ـ حتى الآن ـ من تسويق إنجازات هامة تحققت في ظرفية صعبة، وها هو اليوم يضايق ساكنة الترارزة، ويعمل على حجب هموم تلك الساكنة عن الرئيس.
كنتٌ قد تابعتُ على قناة الموريتانية حلقة استضافت وزيرة الشؤون الاجتماعية والمندوب العام لتآزر، وكانت الحلقة مخصصة للمحور الاجتماعي من برنامج الرئيس. وقد تم الحديث عن إنجازات هامة تحققت لصالح الفئات الهشة في ظروف صعبة لم تأخذ حيزها في مجال التسويق السياسي و الإعلامي.
تزامن بث الحلقة مع بدء التحضير لزيارة الترارزة. ..وقد لفت انتباهي أن حماس بعض داعمي الرئيس في الظهور ضمن المستقبلين للرئيس يُقابله فتور أو عجز بين في تسويق منجزات الرئيس والدفاع عنها.
ما لفت انتباهي أكثر هو أن هذه الحلقة الهامة لم تجد تفاعلا يذكر في مواقع التواصل الاجتماعي والسبب في نظري هو القرار الغريب الذي اتخذه مدير قناة الموريتانية في وقت سابق، والذي منع بموجبه المنصات التي يتابعها مئات الآلاف من البث المباشر وغير المباشر لبرامج الموريتانية دون إذن مسبق من إدارتها.
في الماضي كانت منصات "الرؤية" و"بلوار ميديا" و"تواتر" وغيرها من المنصات الأكثر متابعة تتسابق لبث مثل هذه البرامج مما يسمح بمشاهدة تلك البرامج من طرف آلاف نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الشيء الذي ينتج عنه تفاعلا قويا مع هذه البرامج في تلك المواقع.. اليوم لم يعد ذلك ممكنا بسبب قرار غريب اتخذته إدارة التلفزة في وقت سابق.
خلاصة القول : إن الذراع السياسي والإعلامي للنظام لا يؤدي الدور المنتظر منه ...ليس هذا فقط، بل إنه في بعض الأحيان قد يؤدي دورا سلبيا، وقد أصبح عبئا على الرئيس، وخير مثال على ذلك ما يجري الآن في ولاية الترارزة تحت عنوان "التحضير لزيارة الرئيس والعمل على إنجاحها"، والذي أدى في المحصلة النهائية إلى تحويل الزيارة من زيارة تنموية هامة إلى مناسبة للاستعراض السياسي المبتذل لأطر ووجهاء هذه الولاية.
كفى الله الرئيس "شر" أغلبيته..
حفظ الله موريتانيا...