انتقد مهندسون معماريون ومختصون عراقيون في علم الآثار خطة أممية لترميم مسجد النوري التاريخي في الموصل، الذي ألقى فيه زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، أبو بكر البغدادي، خطبته الشهيرة عام 2014، مؤكدين أن التصميم التكعيبي الجديد "مستوحى من الخليج"، ولا يحافظ على أصالة وطابع المسجد التقليدي.
وذكرت صحيفة "تلغراف" (Telegraph) البريطانية، التي أوردت الخبر، أن العديد من سكان الموصل -وهي ثاني أكبر مدن العراق- كانوا يتوقعون إعادة بناء مجمع مسجدهم المحبوب باستخدام القباب والأقواس بما يتماشى مع الطراز المعماري التاريخي للمدينة القديمة، مشيرة إلى أنهم غير راضين عن التصميم التكعيبي الحديث الذي تم اختياره.
كما أكد خبراء عراقيون أن التصميم، الذي فاز في مسابقة دولية، يتجاهل التراث الفريد للمدينة، متسائلين عن سبب عدم اختيار مهندس معماري عراقي لإنجاز المشروع.
وقد أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) الخميس الماضي، أنها اختارت شركة مصرية لإعادة بناء المسجد الكبير في إطار مشروع لترميم أجزاء من مدينة الموصل القديمة، التي تضررت بشدة خلال سيطرة مسلحي تنظيم الدولة عليها، وتعهدت الإمارات بتقديم 50 مليون دولار للمشروع.
مخطط ترميم مسجد النوري بالموصل الذي اختارته اليونسكو (مواقع التواصل)
إنها الشارقة
وقالت رشا العقيدي، كبيرة المحللين في معهد نيولاينز للإستراتيجيات والسياسات في واشنطن، معلقة على التصميم الجديد "إنه لا يشبه الموصل.. إنه مثل الشارقة تماما"، في إشارة إلى الإمارة الخليجية المشهورة بهندستها المعمارية المعاصرة بما في ذلك التصميم البديع لمقر شركة "بيئة" الإماراتية، الذي صممته المهندسة العراقية البريطانية الشهيرة زها حديد.
وتضيف الباحثة المنحدرة من مدينة الموصل "نرى هنا جليا تأثير النفوذ الإمارتي.. المسجد لم يكن أصلا بحاجة لإعادة تصميم".
أما جنيد الفاخري، المتخصص في علم الآثار وأحد أبناء مدينة الموصل، فيرى أن القيمة التاريخية للعمارة المحلية للمدينة القديمة يجب أن تكون ذات أهمية قصوى في جهود إعادة البناء.
ويضيف "مسجد النوري جزء من رمز الموصل الوراثي وهويتها.. المسجد والمئذنة مواقع أثرية وتاريخية يجب الحفاظ عليها، ولا ينبغي تغيير أي تفاصيل تقلل من قيمتها الأثرية".
وتساءل عن سبب عدم اختيار ترميم تقليدي أكثر، مثل المقترح الذي قدمته المهندسة الموصلية حسنية جرجس، التي أشارت في طلبها أنها تسعى للحفاظ على "الطابع الأصلي وأصالة" المسجد.
المسجد النوري الكبير اشتهر بمئذنته المائلة الملقبة بـ"الحدباء" (رويترز)
استنهاض النفوس
وقد أعلن الفريق المصري الفائز أن خطة الترميم، التي اقترحها، تستجيب بالدرجة الأولى لضرورات "التماسك الاجتماعي واستنهاض النفوس".
فيما بررت اليونسكو اختيارها بالقول إن المحلفين التسعة في لجنة الاختيار، من بينهم عراقيان، تشاوروا مع ممثلين عن مكتب رئيس الوزراء العراقي ووزارة الثقافة.
يشار إلى أن مسجد النوري الكبير اكتسب شهرة عالمية في عام 2014 حين ألقى من منبره زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، أبو بكر البغدادي، خطبة شهيرة أعلن من خلالها نفسه على رأس "دولة الخلافة". وكان ذلك ظهوره العلني الوحيد كزعيم للتنظيم بعد وقت قصير من استيلاء مقاتليه على المدينة وعلى ما يقرب من ثلث مساحة العراق وسوريا.
وبعد 3 سنوات، بينما خاضت قوات الأمن العراقية معركة مدمرة لاستعادة الموصل دامت 9 أشهر، قام مقاتلو التنظيم المحاصرون بتفجير مجمع المسجد بدلا من السماح للقوات العراقية بالاستيلاء عليه.
وسمي الجامع النوري بهذا الاسم نسبة لنور الدين محمود زنكي -المشهور بتوحيد القوات الإسلامية ضد الصليبيين- الذي أمر ببنائه عام 1172، كما يشتهر المبنى بمئذنته المائلة الملقبة بـ"الحدباء".
المصدر : ديلي تلغراف