العادة في كبريات المؤسسات الإعلامية أن يعقد "اجتماع خبراء" عند وقوع حادثة غير مسبوقة أو أزمة ذات تداعيات مجتمعية تحتاج اجتراح مصطلحات جديدة لتسمية ظواهر جديدة.
الحادث المؤلم الذي وقع صباح اليوم يمكن أن يكون مدخلا لنقاش عميق يضع التناول الإعلامي للحادثة وما شابهها على سكة يُبحث فيها عن مقاربة لا تحرم المتلقي من المعلومة الدقيقة، ولا تستبعد أي خلفيات من النقاش، ولا تحجب أي معلومة مفيدة لفهم الحادث وتداعياته المحتملة.
وفي نفس الوقت تبتعد من الإسهام في أي نوع من التأجيج للنعرات، والفتن الاجتماعية، وتستحضر، إلى جانب محفزات السبق، وحق المواطن في المعلومة، المسؤوليةَ الاجتماعية، والسلم الأهلي...
هل تجب، تحريريا وأدبيا الإشارة إلى أن المجموعتين التي وقع بينهما الحادث المؤسف، وأدى إلى مواجهات بين "أرقاء سابقين، وأسياد سابقين"، من غير المكون العربي جلاء للصورة حتى لا تنجر عن الحادث ردود فعل في أماكن أخرى تذكيها الحمية؟
أم الأنسب تجاهل الخلفية من الأصل والتركيز على الحدث مجردا منها؟ وهل يمكن أن يكون تجاهل الخبر أحد الحلول المهنية التي يمكن اللجوء إليها؟
ليست لدي إجابات على هذه الأسئلة، وبعضها محير جدا. ومع ذلك أعتقد أن النقاش الخالي من التسييس ومحاولات فرض الرؤى على الحادثة أو على وسائل الإعلام، النقاش الخالي أيضا من تقديس غير المقدس من قواعد المهنة المحترمة، الرافض لتوسيع دائرة الثوابت سعيا لتكميم الأقلام والأفواه والعدسات.. هذا النقاش قادر على تقديم إجابات، ولو مرحلية مؤقتة، على أسئلة أتمنى ألا نحتاج لطرح مزيد منها خلال الأعوام القادمة.
إن هذا الحادث فرصة لنقاش موسع عن "أخلاقيات محلية للمهنة" تأخذ في الحسبان وضع المجتمع الخاص، وتستفيد من درس الأخلاقيات العامة، وتجارب الأمم المشابهة لمجتمعنا.
هذا النقاش لا يحرم السياسيين من "حقوقهم" في الاستغلال المتبادل للحادثة؛ فما هو "حلال" على السياسي قد يكون حراما على غيره.
كما لا يضيق على "دعاة الحقوقية" في الاستمتاع بقيلولة هانئة بعد صلاة الفجر؛ فالفتنة نائمة لعن الله من أيقظها. وترك جزء منها نائما خير من إيقاظ كل أجزائها.. أيقظوا الأجزاء المربحة من الفتنة، ودعوا كاسدها. من ذلك نستفيد نحن البسطاء. لكم علينا ألا نبكتكم، ولا نفسد قيلولتكم بعد الفجر.. فمن "خدعنا في الوطن انخدعنا له"