لا يمكن للمستطلع للماضي والحاضر السياسي لمدينة كيفه إلا أن يقف بحي "القديمة" باعتباره حصنَ نضال الحركة الوطنية في السنوات الأولى للاستقلال..
صحيحٌ أن مؤتمر الكادحين في (تاكوماجي) عام 1968، كان البداية الفعلية لعمل سياسيٍ جديد في طرحه وفي رؤيته للوطن، لكنّ مؤتمر (كيفة) عام 1969، أرسى الدعائم وزادَ من قوة النضال ومن حجم الضغط على الحكومة للتحرك صوبَ إصلاحات السنوات اللاحقة..حيْ القديمة إذاً جزء من التاريخ السياسي للدولة الموريتانية..
يعتزُ أهل القديمة بانتمائهم للحي، ويرونَ أن كيفه "إذا قُلعت منها القديمة يقلُ الذي يبقى" لكن الواقع لا يؤيدُ ذلك، فالمدينة اليوم هيّ الثالثة وطنياً من حيث الكثافة، وتمتدُ على مساحة لا يُشكلُ حيُ القديمة عُشُرها.
حفرَ الحيْ، الذي رحلَ أبرزُ رموزه، تاريخَه في الوجدان الموريتاني.. هنا لحّنتْ الكادحات "أشوار" النضال الشهيرة:
نَظّمْ شَبابْ مسؤولْ
خللّي النَضال يَحْمَ
ما فينا حدْ إكولْ
تحت التعذيب كلمه
"تَقاعد"حيُ القديمة، يقول أحدُ العارفين به، ولم يعد غير متحفٍ يَدفِنُ فيه الطامحون للحرية والهاربون من سلطان القبيلة ذكرياتٍ جميلةً، بعد أن حاصرتهم القبائل التي طردها الجفاف من الأرياف، واكتسحت المدينة طولاً وعرضاً، وأصبحتْ صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في السياسة وفي المواسم الانتخابية.
تُمثل كيفه في البرلمان بثلاثة نواب، واحدٌ منهم فقط استطاع الإتحاد من اجل الجمهورية الحصول عليه، بسبب عدم التزام الحزب بالمقترحات القادمة إليه من فرعه في كيفه، والغريب أن نائباً آخر من حزب مجهول فاز بشعبية الاتحاد من اجل الجمهورية، وكاد يحصل على مقعدين، لولا قانون النسبة الذي بموجبه حصل حزب تواصل على المقعد الثالث..
تغيرت المعادلة في الرئاسيات الأخيرة، حيث منحت مدينة كيفه نسبة ستة وسبعين في المائة من أصواتها للمرشح ولد الغزواني، ويجمل أحد أعيان كيفه هذا التوجه قائلاً: ولد الغزواني هو أحد أبناء المدينة، وبيتُ الأسرة الذي نشأ فيه الرئيس ما يزال قائما.. لا نأملُ أن يخصنا بشيء، لكننا نعلم أنه لن يظلمنا، وأنه صادق في سعيه، وإذا سعى، مثل غيره، في جمع المال فهذا يعني انه حاد عن نهج أبيه وجده".
الصورة من أمام "ازريبه أهل الغزواني" ويظهر البيت الذي نشأ فيه الرئيس.. التعبُ بادٍ على البيت، وقد عبثت بـ"الزريبة" جائحاتُ النخيل، وعاديات الزمن ونوبات الجفاف والعطش.
السكان في كل حين لا يحصلون على حاجياتهم إلا من الآبار التقليدية أو الصهاريج أو بائعي المياه المحمولة عربات.. هذا هو الحال والناس على أعتاب شهر رمضان وموسم الحر..
يعتبُ الناسُ هنا على نخب نواكشوط، ويرون أنها لا تهتم لشؤونهم، ويعتبون على ساستهم، يقول أحد تجار السوق: عندما يعثر حمارٌ في نواكشوط تسقطون السماء على الأرض.. كيفه أكبر وأهم من نواكشوط" ويضيف" ساستنا يسعون للتعيين.. وما فائدة تعيينهم .. منّا الوزراء ومنّا الرؤساء السابقون .. ومنّا ولد الغزواني كاع، لكنهم ينسوننا دائماً".
آخر يقول: أعرف الرئيس في زمن دراسته هنا، كان يسكن في بيت والده الشيخ محمد أحمد، وكان طيباً مثل أبيه" يقاطعه آخر: ما فائدة الطيبة لنا نحن .. نحن نريد الماء .. نريد إصلاح الطريق من بوتيلميت إلى شكار.. سوقنا هذا يمون جميع الولايات.. ويمونُ مالي وحتى النيجر".
صحيح، تعاني كيفه من نفس الحال، فلا شبكة المياه التي دشنها ولد الطايع روت عطشهم، ولا التقوية التي دشنها ولد عبد العزيز حلّت المشكل، لقد نضبت مياه آبار التقوية وعادت كيفه إلى عادتها القديمة.
تصدعت التحالفات السياسية القديمة، وتفرقَ الناخبون الكبار أيادي سبأ، فريقاً قرّبته الدولة، وفريقاً أبعدته، وكان من نتائج هذا التصدع ظهور حلف "الوفاء" الذي يرى بعضُ أركانه أنه جديرٌ بالحظوة، ويذهبُ أحدهم إلى القول:إننا أغلبية في كل شيء، ولكن الدولة ما تزالُ رهينة فوبيا حيّ القديمة والتحالفات البائدة.
ومع أننا في نواكشوط، نحسب وزير الداخلية على مقاطعة كيفه، إلا أنهم هنا، مع إقرارهم بوزنه المحلي، يحسبونه على تحالفات السياسة في نواكشوط، ويرون أنه أكبر من ان يُحسب على أحد أطراف اللعبة المحلية..
في ذروة النقاش بسوق كيفه، صاح بنا أحد الحاضرين" انتم الصحافة لن تنقلوا حقيقة ما نعانيه للحكومة.. ولا تكتبون إلا ما يحلوا لكم من كذب ونفاق.. لكن ولد الغزواني يعرف كيفه ..كيفه تقول لولد الغزواني لا ينسَ الحاله اللي خلاّها فيها".
الاعلامي عبد الله ولد اتفاغ المختار